مواضيع مماثلة
المواضيع الأخيرة
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
الحسين ابوهوش | ||||
الضباشي | ||||
الحسن سلمي | ||||
أبو يحيى | ||||
said26p | ||||
amjdtaza | ||||
abou aimrane0834 | ||||
oumalaeddine | ||||
sociologue | ||||
aqdazsne |
منع النسخ
الإطار البنائي والفكري لنظريات تالكوت بارسونز:
+4
abdellatif mef
aboufirass
sociologue
الحسين ابوهوش
8 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
الإطار البنائي والفكري لنظريات تالكوت بارسونز:
ظهرت أول أعمال بارسونز المهمة " بناء الفعل الاجتماعي" في عام 1937، في العقد الرابع من القرن العشرين، حث كان المجتمع الأمريكي يعاني مجموعة من الاضطرابات الاقتصادية الناتجة عن أزمة عام 1930*. وقد أثر هذا البناء الفوقي بما فيها من أفكار, وأيدلوجيات فأصابها الاضطراب هي الأخرى، فكثيراً ما توصف بداية العقد الرابع من أمريكا " بالانهيار العظيم" Great Crash، ذلك لأنه أصاب النسق الاقتصادي تدهـور كـبير، كما تعطل ربع العمال الأمريكيين، وعاشوا في فقر مدقع، وتحكم عدد قليل من الرأسماليين في سوق الإنتاج، فاتسعت الهوة بين الطبقات، واضطراب النسق الصناعي.
أدى تفكك البناء التحتي إلى تفكك مستوى الفكر- كما أسلفنا – إذ لم تكن هناك نظرية عامة في المجتمع الأمريكي تستطيع أن تعيد للمجتمع توازنه أو يتعلق بها من أضيروا بهذه الأزمة. وفي هذه الظروف لاقت الماركسية انتشاراً واسعاً في المجتمع الأمريكي، وخاصة بعد النجاح الكبير الذي حققته في روسيا في هذه الفترة، فقد ظهرت أمام الأمريكيين على أنها مجتمع تغلَب على مشكلة الأزمات الاقتصادية عن طريق التخطيط الرشيد وأنها تقدم للجماهير مستوى أعلى من الخدمات التي تقدم في الأقطار الرأسمالية.
تفشى المد الشيوعي إلى الولايات المتحدة في العقد الرابع من القرن العشرين، وكانت الطبقات الوسطى سواء في أمريكا أم سائر أوروبا كانت تخشى الامتداد الشيوعي وتعتبره خطراً عالمياً في الوقت الذي تواجه فيه بأزمة اقتصادية. هنا ظهر اتجاهات متعارضان: رؤية راديكالية متأثرة بالماركسية ترى أن الوقت مناسب للقيام بثورة، ورؤية محافظة ترى أن كل هذه الأحداث تهدد النظام العام الذي يجب المحافظة عليه مهما كانت الظروف.
وفي هذه الظروف اتجه علم الاجتماع في أمريكا وجهة إمبريقية تستهدف مسح المشكلات الاجتماعية والتعرف على خصائص المجتمعات المحلية. وظهر الاتجاه قوياً داخل ما يعرف بمدرسة شيكاغو حيث كانت جامعة شيكاغو تضطلع بدور كبير في تدريس علم الاجتماع وفي البحث الاجتماعي، واستطاعت في فترة ما بين الحربين أن تراكم مادة إمبريقية هائلة حول المشكلات الحضرية دون أن تستطيع تطوير إطار نظري عام يجمع هذه المادة وينظمها في رؤية نظرية عامة. وبجانب بحوث مدرسة شيكاغو ظهرت بحوث إمبريقية أخرى كان موضوعها الأساسي دراسة المجتمعات المحلية دراسة مسحية وصفية دون الالتزام بأطر نظرية واضحة.
وإزاء هذا الاهتمام المبالغ فيه بالدراسات الإمبريقية لم يستطع علم الاجتماع في فترة ما بين الحربين أن يطور لنفسه نظرية عامة يمـكن من خلالها تصوير الخطوط العـامة للبنـاءالاجتماعي الرأسمالي الذي يصيبه التفكك تحت وطأة الأزمة الاقتصادية. وكن من نتيجة ذلك أن حدث ضرب من الانقطاع بين التراث الكلاسيكي لعلم الاجتماع كما تمثل في أعمال دور كايم وماكس فيبر وماركس، وبين التراث السائد للبحوث الإمبريقية ذات الطبيعة المتجزأة. ومن ثم فإنه بالرغم من الجهد الكبير الذي بذل في جمع مادية واقعية وتحليلها وفقاً للأسس العلمية، إلا أن هذه المادة ظلت متناثرة لا يربط بينها رابط ولا ينتظمها نسق فكري واحد. فلم يعرف علم الاجتماع الأمريكي في هذه الفترة أية أنساق نظرية سوى تلك التي ظهرت داخل نطاق علم النفس الاجتماعي من خلال جهود وليام وكولي وجورج وهربرت ميد والتي تبلورت فيما عرف بعد بنظرية التفاعل الرمزي.
هذه هي الظروف البنائية والفكرية التي واجهها بارسونز عندما بدأ عمله في قسم الاجتماع بجامعة هارفارد عام 1931. ولقد فرضت عليه هذه الظـروف فضـلاً عن ظـروف تكوينه
الفكري أن يتجه اتجاهاً مغايراً لما هو سائد في ألأوساط السسيولوجية في هذا الوقت. كان بارسونز قد عاد من رحلة في أوروبا استوعب فيها التراث الألماني المثالي، والتراث الوضعي الفرنسي، وتراث الأنثربولوجيا الإنجليزي. إزاء هذا التكوين الفكري ذي الاتجاه النظري الواضح لم يقتنع بارسونز بالاتجاه الإمبريقي الذي كان يسيطر على المدرسة المريكية في علم الاجتماع. فقد كان بارسونز على يقين من أن جمع الحقائق الإمبريقية ليس كافياً لإقامة صرح العلم، فلابد من تجميع الحقائق في إطار نظري يمكن من خلاله تفسيرها وإيجاد العلاقات المنطقية بينها. وربما في إطار نظري يمكن من خلاله تفسيرها وإيجاد العلاقات المنطقية بينها. وربما كان بارسونز يدرك – بوعي منه أو بغير وعي – أن مثل هذه البحوث الإمبريقية لن تسهم في حل مشكلات المجتمع الذي يعاني من الأزمة الاقتصادية، وأن هذا الحل يمكن أن يتاح فقط إذا ما انصهرت العناصر المكونة للبناء الاجتماعي في " كل " واحد يوفق بين حرية الفرد ومصلحة المجتمع، وبناء على ذلك فإن البديل النظري الذي طرحه بارسونز يمكن النظر إليه من ناحية رد فعل تجاه " مشكلة المجتمع " التي حاول أن يضعها في سياق نظري عام رافضاً بذلك الرؤى الجزئية النابعة من البحوث الإمبريقية.
يبدو أن الظروف التي كان يمر بها المجتمع الأمريكي فضلاً عن ظروف تكوين بارسونز الفكري قد دفعته إلى عدم اللجوء إلى الماركسية ليستمد منها عناصر فكرية لصياغة نظريته. وفي مقابل ذلك اتجه بارسونز إلى المثالية الألمانية، والوضعية الفرنسية، والنفعية محاولاً أن يخلق من امتزاجهم جميعاً موقفاً نظرياً جديداً. ولقد ظهر هذا الموقف النظري الجديد في كتاب بارسونز الأول " بناء الفعل الاجتماعي" والذي حاول فيه أن يوضح جوهر الاتفاق بين أفكار ماكس فيبر ومارشال وباريتو ودور كايم فيما أسماه بارسونز بالنظرية الطوعية في الفعل. ولقد وضع بارسونز في هذا الكتاب المبادئ الأساسية بالنظرية العامة للفعل التي كان يعتبرها قاسماً مشتركاً بين علوم عديدة كعلم الاقتصاد وعلم النفس وعلم الاجتماع والأنثربولوجيا وجاءت كل أعمال بارسونز التالية كمحاولات لحل المشكلات النظرية التي أثارتها النظرية العامة في الفعل، ولإحكام الفروض التي طرحتها وإكسابها قدراً من الدقة والتنظيم. وكانت النتيجة عدداً من النماذج النظرية التحليلية التي تفسر أنساق المجتمع والعلاقات فيما بينهما، وطبيعة التباين في التغير في هذه الأنساق، والطابع العام للتطور. كانت النتيجة على ما يذهب البعض رؤية نظرية عامة على أعلى مستوى من التجريد حيث تكاد تخرج بنا خارج نطاق هذا العالم الذي نعيش فيهتأثر بنظرية فيبر في الفعل الاجتماعي كما درس وتأثر بكل من مارشال صاحب نظرية المنفعة الحدية ودوركايم الذي كان له الفضل في تأكيد اعتقاد بارسونز بأن علم الاجتماع ينبغي أن يتطور إلى نسق من الفكر واقعه موجود في عمليات الحياة الاجتماعية.
هذا وتأثر بارسونز بكل من فرويد صاحب مدرسة التحليل النفسي ، وباريتو كما شترك مع علم النفس هندرسون في مناقشة محاولة باريتو وضع نظرية علم الاجتماع على نمط ميكانيكي .
ويؤمن بارسونز بأهمية التعاون والترابط بيم الاجتماع والعلوم الأخرى ، ولهذا أنشأ قسماً للعلاقات الاجتماعية في جامعة هارفارد يضم علماء الاجتماع وعلماء النفس والفسيولوجيين والأثنولوجيين وعلماء البيولوجيا .
وقد كتب بارسونز العديد من الكتب والمؤلفات العلمية الهامة ويعتبر مؤلفة الرئيسي الأول " بناء الفعل الاجتماعي " 1937 م بمثابة نقد لنظريات مارشال وباريتو ودوركايم وفيبر ، وهو يرى أنه برغم الاختلافات بين هؤلاء العلماء إلا أنهم جمعيا بدءوا من نقطة واحدة هي في رأيه " الفعل الاجتماعي التطوعي أو الاختياري " .
أهم افتراضات بارسونز :
- يعبر البناء الاجتماعي عن عدد من الوظائف الرئيسية الأساسية و تتكون هذه الوظائف من التكامل و المحافظة على النمط و إدراك الهدف و التوافق .
- مستوى الاكتفاء الذاتي في مختلف البيئات هو الأساس الذي يقوم عليه المجتمع .
- المحور الأساسي للمجتمع يميل لتحقيق التوازن أو المحافظة على الاتزان .
- لا ينظر للنسق بأنه جامد بل يمتلك القدرة على التطور و تتكون العمليات الأساسية التي تهدف لتحقيق التطور من التباين [ زيادة تقسيم العمل و تخصص الأبنية الوظيفية ] والتوافق [ تزايد حرية الوحدات الاجتماعية واستقلالها عن محدودية الموارد ] واندماج الأبنية الجديدة في النسق المعياري و تعميم القيم (تطور أنساق القيم إلى أعلى مستويات العمومية من أجل المحافظة على التكامل أثناء التطور ) .
- الثقافة المسيحية هي الدافع الأول وراء عملية تطور المجتمع الحديث ، و أن تطور المجتمع يتحقق أثناء تقدمه في مراحل تاريخية ليصل إلى أمريكا الحديثة كما نراها اليوم.
منهجية بارسونز العلمية :
- المضاهاة بين المنهج النظري و أحكام الحقيقة الإمبيريقية التي اختيرت لإثبات صحة التفسير النظري و عندما تجمع هذه النقاط سويا يصبح في الإمكان النظر إلى منهج بارسونز باعتباره استدلالا لصيغ العلاقات الاجتماعية.
- يقوم هذا الاستدلال على التاريخ و المماثلة البيولوجية، و تعززه المضاهاة بين الفكر النظري و الحقائق الإمبيريقية .
- من هنا يصل لصياغة محكمة للنموذج البنائي الوظيفي في المجتمع استنادا على الاستدلال التاريخي والمنطقي الذي يقوم على قبول التعريف البيولوجي للحقيقة الاجتماعية.
بعض الأفكار المهمة لدى بارسونز :
-الاعتقاد بان الفعل الاجتماعي هو الموضوع الحقيقي لعلم الاجتماع .
-التركيز على مفهوم النسق الاجتماعي الذي يعرف بأنه " مجموعة من الأفراد المدفوعين بميل إلى الإشباع الأمثل لاحتياجاتهم " .
بارسونز بين الوظيفيين :
يمكن وصف موقف بارسونز من المدخل البنائي الوظيفي بأنه جاء معبر عن الوظيفية في إطار النسق كما يمكن أن نطلق عليه مذهب الحتم الوظيفي وهذا المذهب جاء محملا بأفكار مستقاة من المجال السيكولوجي والانثرويولوجي والعضوي فضلا عن البعد السوسيولوجي تكشف عن كل هذه إعمال بارسونز وآراؤه حول الفعل والنسق في كثير من الأحوال .
وقد بدأت اهتمامات بارسونز الوظيفية مع تحوله من الإتجاة الطوعي في بناء الفعل إلى إعطاء الأبعاد النفعية والشروط المفروضة دلاله أكبر ومن هناء قال بالملزمات الوظيفية وهي تعبر عن نقاط الإركتاز القوية في نظريته عن النسق الاجتماعي ولهذا التحول أسبابه التاريخية والاجتماعية ومنها حرب الأيديولوجيات والنزاعات الساخنة وحيال ظهر الضغط الشيوعي في روسيا وقوه الدولة وما كان لهذا الضغط من مراميه الفكرية ووسائله الخاصة حاول بارسونز البحث عن أسس جديدة لتدعيم الاستقرار الاجتماعي والتوازن عن طريق تصور يبنى أولا وقبل كل شي على الأسس المستمدة من الرأس ماليه خاصة في مجتمع الولايات المتحدة الأمريكية وقد تبلور ذلك في توسيع نطاق فكرة النسق الاجتماعي وفي التركيز على متطلباته الأساسية بما جعلها بمثابة العلامات التجارية التي تميزه عن غيرة خاصة انه قد حددها على سبيل الحصر ومع انه قد استلهم الكثير من الأفكار الوظيفية التي قال بها غيرة إلى أن إنطباعة الشديد بالوظيفية البنائية في أكثر صورها اهتمام بالتكامل الاجتماعي والاستقرار كان جليا وصريحا التزاما به بالتوجيه الأيديولوجي الذي لم يحد عنه ومن ثم فقد أقر بالثبات النسبي لما يطلق عليه العناصر البنائية وجعل من التوازن الوظيفي مفهوم لتفسير التغير النسبي في الأجزاء والوحدات وحسم مشكلة التضارب بين العلماء فيما ينبغي التركيز عليه أكثر البناء أم الثقافة حين وضع مخططه عن الأنساق الكبرى والأنساق المتضائلة وربط بين هذه وتلك ربطا قويا في الوقت الذي لم يهمل في بيان الحدود التي يمكن أن تفصل بينها تحليلياً وتساقا مع هذا التصور فقد أهتم بكل من النسق الاقتصادي والسياسي والمجتمع المحلي والتكنولوجيا على اعتبار أنها تمثل أهم الأنساق الصغرى وطبق عليها المقولات والقضايا التي ساقها بالنسبة للأنساق الكبرى والجدير بالذكر أن هذه الأنساق وكذالك الأوساط العامة للتبادل تشكل كثرا من المبادئ البنائية والجماعات الرئيسية لتتضح أبعاد فكرة البناء فضلا عن الدور أو مجموعة الأدوار المنوطة بكل منها وهي أدوار يعتبرها بارسونز متدرجة في البناء وفي الأداء مع تطور ونمو الوحدات الاقتصادية والإدارية والسياسية الحديثة ومع ظهور الجماعات والروابط الاختيارية كما ناقش بارسونز التمايز والتكامل في الأداء الوظيفي وذهب في هذا الشأن إلى أن الاختلاف في بناء الوحدات لا يؤدي إلى إخلال بالتناسق والتكامل الذي يمكن أن يوم بينهما وان تعدد يخدم مبدأ الوحدة الوظيفية الذي يقترن بمبدأ أخر هو التفاعل الاجتماعي وهذا ما يكسب النسق خاصية النشاط والفاعلية بجانب وجود المقومات والعناصر الأكثر ثباتا وإذا كانت الأنساق حسب ما يتصور بارسونز فقد حاول جاهدا تبرير الدور السلبي للثورات وقدم من الشواهد ما يعتقد في أنه يؤدي قضاياه فقال مثلا بأن الثورة الروسية 1917م لم تؤثر على البناء الاجتماعي للمجتمع الروسي إلا بعد انقضاء وقت طويل على قيامها وفقدت بذلك كثير من المبادئ التي سعت إليها تحت تأثير الشروط الزمنية والعوامل الأخرى التي أثرت فيها وعلى أي حال فإن بارسونز كثير ما أشار إلى الثورات كمعوقات وظيفية فضلا عن أثرها الضار على استقرار البناء الاجتماعي وتكامله
الاتجاه الوظيفي البنائي عند بارسونز :
بدأت المرحلة الرابعة من مراحل تطور الفكر السوسيولوجي في الثلاثينات داخل الولايات المتحدة ، و تمثل الأعمال الأولى عند بارسونز محاولة التوفيق بين المحتوى الروحي للاتجاه الرومانتيكي الألماني ، الذي يركز على التوجيه الداخلي للفاعل ، و بين تراث النظرية الوظيفية الفرنسية ، و على أي حال فقد وجه بارسونز اهتمامه الأساسي منذ البداية إلى المحتوى الرومانتيكي الذي ظهر في موقفه الطوعي و لذلك فإن نظريته تشتمل على اتجاهين متميزين من الناحيتين التاريخية و الثقافية ، فهناك الاتجاه النفعي الاجتماعي الفرنسي ، الذي تفسر من خلاله الترتيبات الاجتماعية في ضوء فائدتها و وظيفتها بالنسبة للجماعة الكبرى أو المجتمع .
و قد نظر إليها بوصفها نسق العوامل المرتبطة ، و هناك أيضا ً الأهمية الرومانتيكية التي تنسب إلى العوامل الخلقية أو القيمية ، التي تمارس وظيفتها في تدعيم الامتثال .
إن التكامل الذي حققه بارسونز بين الاتجاه الوظيفي و الاتجاه الطوعي يمثل انعكاسا ً للصراع بين المنفعة و الأخلاق أو الحقوق الطبيعية الذي وجد في الثقافة البورجوازية ، و من ثم فإن محاولة بارسونز تمثل مواجهة لهذا الصراع الثقافي و محاولة حله على المستوى النظري .
و في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية تركز اهتمام بارسونز على المجتمع بوصفه نسقا ً اجتماعيا ً مكونا ً من نظم متفاعلة و متضمنات أخرى متداخلة و في تلك المرحلة أيضا ً ظهر تأكيد بارسونز على فكرة التدعيم الذاتي و النسق المتوازن ، و هو ذلك الكل المعقد الذي يشتمل على الميكانيزمات الخاصة التي تسهم بدورها في الاستقرار الداخلي للمجتمع ، و من ثم كان بارسونز يهتم في فترة ما قبل الحرب بالقيم الأخلاقية بوصفها بواعث داخلية على الفعل الاجتماعي .
إن هذه الفترة المبكرة كانت تركز على أهمية تدعيم النسق ، أما في الفترة الثانية فقد نظر إلى استقرار النسق الاجتماعي ، باعتباره متوقفا ً على محاولاته الخاصة التي يبذلها من أجل التكامل و التوافق ، و ذلك بدلا ص من النظر إلى إرادة الأفراد و بواعثهم و لذلك أنصب اهتمام بارسونز على أن تدعيم النسق الاجتماعي لتكامله يجعل الأفراد متوافقين مع ميكانيزماته و نظمه ، و يعودهم باستمرار إلى أن عيدوا النسق بما يحتاج إليه .
و يؤلف الفعل الاجتماعي بالنسبة إلى بارسونز الوحدة الأساسية للحياة الاجتماعية، ولأشكال التفاعل الاجتماعي بين الناس، فما من صلة تقوم بين الأفراد والجماعات، إلا وهي مبنية على الفعل الاجتماعي، وما أوجه التفاعل الاجتماعي إلا أشكال للفعل التي تتباين في اتجاهاتها وأنواعها ومساراتها، ولهذا يعد الفعل عنده الوحدة التي يستطيع الباحث من خلالها رصد الظواهر الاجتماعية وتفسير المشكلات التي يعاني منها الأفراد، وتعاني منها المؤسسات على اختلاف مستويات تطورها.
والفعل الاجتماعي بالتعريف هو سلوك إرادي لدى الإنسان لتحقيق هدف محدد، وغاية بعينها، وهو يتكون من بنية تضم الفاعل بما يحمله من خصائص وسمات تميزه من غيره من الأشخاص. وموقف يحيط بالفاعل ويتبادل معه التأثير. وموجهات قيمية وأخلاقية تجعل الفاعل يميل إلى ممارسة هذا الفعل أو ذاك، والإقدام على ممارسة هذا السلوك أو غيره.
مكونات الفعل الإجتماعي: لدى بارسونز فإن أي فعل اجتماعي لابد أن يتكون من:
*الفاعل: ويتمثل في القائم بالفعل وهو كيان فردي أو جماعي.
*الموقف: ويمثل المحيط الذي يقوم فيه الفاعل بفعله ويشتمل على الموضوعات الفيزيقية الإجتماعية التي يرتبط بها الفاعل.
*الرموز: هي تلك الوسائل التي يرتبط من خلالها الفاعل بالعناصر المختلفة داخل الموقف من إمكانيات يختارها لتحقيق أهدافه.
*القواعد والمعايير والقيم: وهي التي تتحكم في توجيه الفاعل داخل الموقف.
إذا فأي تصرف يقوم به الفاعل بوعي منه أي له هدف وتوفرت فيه جل الشروط السابقة فهو فعل اجتماعي، أما إذا اختل شرط(مكون) من شروط الفعل فهو سلوك.
ج-الأنساق الفرعية لنسق للفعل الإجتماعي:من منظور بارسونز فإن أي فعل يضم أربعة أنساق فرعية وكل نسق مرتبط بوظيفة من الوظائف الأربعة للفعل، وهذه الأنساق الفرعية هي[4]:
*النسق العضوي(البيولوجي):وظيفته تحقيق التكيف، حيث أنه ينظم العلاقات مع العالم الفيزيقي، وهو الذي يتكيف معه أو يتحكم فيه أو يعيد تشكيله.
*نسق الشخصية: وظيفته تحقيق الهدف، فهو أداة يحقق النسق العام أهدافه بواسطته.
*النسق الإجتماعي: وظيفته تحقيق التكامل، من خلال الدور الذي يقوم به في المجتمع.
*النسق الثقافي: وظيفته المحافظة على النمط، لأن الثقافة هي التي تزود الفاعلين بالدافعية والتدعيم اللازمين لأفعالهم.
إن كل نسق يعتمد على الآخر ويدعمه ويكمله، فالشخصية مثلا لا يمكن أن توجد دون وجود الكائن العضوي أو دون وجود شبكة من العلاقات المتبادلة مع النسق الإجتماعي، والعالم الرمزي للثقافة.
ولهذا يلاحظ أن بارسونز يدرس الفعل الإنساني بوصفه منظومة اجتماعية متكاملة، يسهم كل عنصر من عناصرها في تكوين الفعل على نحو من الأنحاء، وهي مؤلفة من أربع منظومات فرعية تتدرج من المنظومة العضوية إلى المنظومة الشخصية، فالاجتماعية فالثقافية والحضارية.
وفي حين تحدد المنظومة العضوية الخصائص العضوية للفاعل، تتحدد من خلالها حاجاته وإمكاناته، وقدراته، ولا يستطيع المرء أن يمارس الفعل الاجتماعي إلا في الحدود التي تسمح بها عضويته، ومكوناتها. وتختلف عن ذلك المنظومة الشخصية التي تحمل قدراً كبيراً من الخصائص التي تميز الفاعلين من بعضهم بعضاً بما أوتوا من تفاضل في القوة والتأثير والقدرة على تحمل المصاعب، وغير ذلك من الصفات التي تجعل الأفراد يتفاوتون أيضاً في قدراتهم على ممارسة الفعل الاجتماعي الواحد.
أما المنظومة الاجتماعية في الفعل فتنطوي على نظم التفاعل والروابط التي يقيمها الناس بين بعضهم بعضاً، ويستطيعون من خلالها ممارسة الفعل على النحو الذي يصيرون فيه قادرين على ممارسة الفعل، فهم يتوزعون المواقع الاجتماعية التي تتيح لكل منهم ممارسة الفعل على نحو مختلف تبعاً للموقع الاجتماعي الذي يشغله في بنية المنظومة الاجتماعية، فالمرء لا يستطيع أن يمارس الأفعال الاجتماعية إلا في الحدود التي تسمح بها المواقع والمهام التي يشغلها في بنية التنظيم.
وتأتي المنظومة الحضارية والثقافية في أعلى مستويات منظومة الفعل، حيث تنطوي على القيم والأخلاق والمبادئ العامة التي توحد تنوعات المنظومة الاجتماعية، ومنها يستقي الأفراد المعاني والدلالات التي تنطوي عليها الأفعال، ومن خلالها يستطيع المرء أن يميز أشكال الفعل، ويحكم على صلاحيتها بالنسبة إلى ثقافته وحضارته.
وتتجلى وحدة المجتمع بوحدة المنظومة الثقافية والحضارية التي تؤلف مصدر تقويم الأفعال وتوجيهها، وبفضل وحدة المنظومة الثقافية أيضاً يتحقق للتنظيم الاجتماعي توازنه واستقراره، وليس من اليسير أن تتغير معالم المنظومة الثقافية بين عشية وضحاها، بل تتأكد من خلالها شخصية التنظيم الاجتماعي وهويته، ومن خلالها يظهر التباين بين المجتمعات الإنسانية والحضارات المتعددة.
ويشير بارسونز إلى جملة من الآليات (الضوابط) التي تسهم في حفظ النظام وتوازنه مع اختلاف الزمن والمراحل التي يمر بها التنظيم الاجتماعي، ومن ذلك التنشئة الاجتماعية التي يُلَقّن من خلالها الفرد، منذ صغره، القيم والمعايير الثقافية التي يعود لها الفضل في ضبط السلوك وأشكال الفعل وتوجيهها كما يعود استقرار التنظيم الاجتماعي وبقاؤه إلى قدرته على التكيف مع التغيرات التي تطرأ على تفاعله مع المحيط، وتلبية الحاجات التي تدعو إليها عمليات التغيير، وخاصة بالنسبة إلى كل مكون من مكونات التنظيم، وبذلك يحقق التنظيم الاجتماعي وظيفتين بآن واحد، تكيفه مع البيئة المحيطة به من جهة، وتكامل مكوناته من جهة أخرى. .
المتغيرات النمطية التي تحكم علاقة الفاعل بالفاعلين و بالموضوعات عند بارسونز
أبرز البعض اسهامات بارسونز بالنسبة للنظرية الوظيفية و حصرها في فكرته عن البدائل النمطية ، للتوجيهات القيمية و التي تنحصر في متغيرات النمط المتمثلة في :
1 ــ الوجدانية في مقابل الحياد الوجداني حيث يعتبر النمو وجدانيا ً إذا كان تتيح الإشباع المباشر لحاجة الفاعل بينما يعتبر محايدا ً من الناحية الوجدانية إذا كان يفرض النظام ، و يتطلب التخلي عن الخاص ، عن الخاص من أجل مصالح الآخرين .
2 ــ العمومية مقابل الخصوصية و يشير المتغير الأول إلى مستويات القيمة التي على درجة كبيرة من العمومية بينما يشير الثاني إلى المستويات التي لها دلالة لفرد معين في علاقات معينة مع أشخاص معينين .
3 ــ الأداء في مقابل النوعية و كان بارسونز يسميها أولا الوراثة في مقابل الاكتساب و يعني بها تلك المعالجة ا الأولية لشيء على أساس ماهيته في حد ذاته أي حقيقة مواصفات الشيء ، أو أن يكون الفعل على أساس تحقيق أهداف معينة موضوعة و هذا هو الأداء .
4ــ التخصص في مقابل الانتشار : فيمكن أن تعرض مصلحة ما على وجه التخصيص ، بحيث لا يكون هناك ثمة إلزام أبعد من تلك الحدود المرسومة أو تعرف بشكل عام بحيث لا تتجاوز الالتزامات حدود التعريف الظاهر الذي يفترض وجوده .
و يعتقد بارسونز أن الفاعل يهدف الوصول إلى أكبر إرضاء و الفروض من الناحية الواقعية لا يمكن أن يرغب في الحصول على كل شيء ، و لذلك لا بد من أن يقف محايدا ً إزاء بعض الأشياء ، و من تحليله لهذه البدائل النمطية استطاع أن يصل إلى فكرته عن متغيرات النمط الخمس والتي ترتبط بنظرية الأنساق لبارسونز ، كما أن بارسونز أوضح أيضا وظيفة البناءات ، فذهب إلى أن التحليل البنائي الوظيفي يتطلب معالجة منظمة لأدوار و مراكز الفاعلين في موقف اجتماعي معين و بالإضافة إلى معالجة النظم الاجتماعية المتضمنة لها .
و يشير المركز على مكان الفاعل في نسق علاقات اجتماعية ينظر إليها باعتبارها بناء و الدور رغم ارتباطه بالمركز إلا أنه بمثابة الوجه الدينامي له ، كما أنه يشير إلى سلوك الفاعل في علاقته بالآخرين ، أما الأنماط النظامية في التوقعات النمطية أو البنائية فهي التي تحدد السلوك الثقافي المناسب للأشخاص الذين يقومون بأدوار اجتماعية متعددة و مختلفة .
المتطلبات الوظيفية :
أشار بارسونز إلى أنه بالإمكان تحليل المجتمعات باعتبارها أنساقا ً اجتماعية و أنه إذا كان على أي نسق اجتماعي أن يستمر عليه أن يعمل على تحقيق أربعة شروط أساسية أو بعبارة أخرى عليه أن يتغلب على أربعة مشاكل أساسية ، و لقد أطلق على هذه المشكلات أو الشروط المتطلبات الوظيفية أو الضروريات الوظيفية و هذه المتطلبات لا تهم التنظيم الاجتماعي فقط و إنما تتعلق بالحاجات الشخصية لأعضاء المجتمع أيضا ً و هذه المتطلبات الأربعة هي :
التكيف مع البيئة:
على كل مجتمع أن يحقق الحاجات الطبيعية لأعضائه إذا كان عليه أن يستمر ، و لكي يحقق ذلك عليه أن يضع الترتيبات اللازمة مع بيئته الطبيعية ، ويعتبر الغذاء و المأوى بمثابة حد أدنى من هذه المتطلبات ـ و عادة ما يشتمل مجالها على الأنساق الفرعية الخاصة بالإنتاج و التوزيع .
انجاز/تحقيق الهدف ينبغي على أي مجتمع أن يتوصل إلى بعض الاتفاق المشترك بين أعضائه حول أهدافهم و أولوياتهم و هكذا عليهم أن يوفروا الترتيبات الضرورية للتعرف على و اختيار تحديد هذه الأهداف الجمعية و توفير الترتيبات البنائية الضرورية لبلوغ هذه الأهداف .
المحافظة على النمط و إدارة التوتر على كل مجتمع أن يتأكد من أن أعضائه متحفزين ما فيه الكفاية لأداء الأدوار الضرورية المطلوبة و لتحقيق الالتزام الضروري بالقيم في هذا المجتمع و عليهم أيضا أن يكونوا قادرين على إدارة التوترات الانفعالية التي يمكن أن تظهر بين الأعضاء خلال التفاعلات الاجتماعية اليومية .:
التكامل/ الادماج : لكي يحافظ أي مجتمع على وجوده عليه أن يضمن قدرا ً من التعاون و الضبط بين العناصر الداخلية للأجزاء المختلفة من النسق الاجتماعي ، و تتعامل المشكلتان الأولى و الثانية ، التكيف مع البيئة و انجاز الأهداف الجمعية مع ظروف و متطلبات تتحقق من خارج النسق و على هذا يمكن النظر إليها على أنها أدائية إلى حد كبير بمعنى أنها تتطلب أداء مهام مثل تعبئة الوسائل من أجل بلوغ الأهداف ذات القيمة .
و تترتب مشكلات المحافظة على النمط و التحكم في التوتر ، و العمل على التكامل بين أفعال الأعضاء ، تترتب على الحقيقة التي مؤداها أنه يوجد هناك دائما ً أكثر من شخص واحد في النسق الاجتماعي ، و بعبارة أخرى من المعترف به أن التفاعل الاجتماعي ذاته يثير مشكلات من داخل المجتمع .
و هاتان المشكلتان ينظر إليهما على أنهما يتعلقان بالجوانب التعبيرية إلى حد كبير ، بمعنى المحافظة على القيم الاجتماعية و ضبط التغيرات الانفعالية ، و على أن مجتمع لكي يحل هذه المشكلات و يحافظ بالتالي على وجوده أن يوفر أربعة سمات بنائية رئيسية ، و هذه السمات البنائية في نظر بارسونز تتمثل في الأنساق الفعرية الرئيسية المتعلقة بالاقتصاد و السياسة و القرابة و التنظيمات الثقافية و المحلية .
و تؤدي النظم القرابية وظائف المحافظة على الأنماط المتوقعة للتفاعل الاجتماعي و تساعد على ضبط التوترات الشخصية المتبادلة إلى حد ٍ كبير من خلال عملية التنشئة الاجتماعية ، و الواقع أن عملية التنشئة الاجتماعية هي التي تشكل شخصيات من يلعبون الأدوار بالدافعية الكافية و الإلتزام بقيم المجتمع .
أما النظم الثقافية و المحلية مثل الدين المنظم و التعليم و وسائل الاتصال فهي تقوم بوظيفة العمل على التكامل بين العناصر المتباينة في النسق الاجتماعي .
و هذه النظم بإمكانها أن تشكل القيم الاجتماعية و تعمل على تدعيمها في الوقت نفسه ، و قد تكون هذه النظم في حاجة إلى مساعدة تتلقاها من الهيئات الرسمية الخاصة بالضبط الاجتماعي ، مثل قوة البوليس و الجيش أو من نظم قانونية خاصة بالمحاكم و التشريع خاصة إذا اتضح عدم كفاية هذه النظم الثقافية .
و يتأثر الشكل الخاص الذي تأخذه هذه الأنساق البنائية الفرعية أو النظم في أي مجتمع بنسق القيم الخاص بهذا المجتمع و كان بارسونز متأثرا ً إلى حدٍ كبير بأعمال دور كايم ، لأن كلا ً منهما كان يعتبر المجتمع في أساسه بمثابة كيان أخلاقي ، و عندما يشير بارسونز إلى بناء المجتمع بمعنى البناء الاجتماعي ، فإنه يشير إلى البناء المعياري بمعنى أنه يشير إلى بناء التوقعات الذي يتجسد في عملية لعب الأدوار وكل الأنساق النظامية الفرعية مثل القرابة و الاقتصاد و السياسة المشار إليها سلفا ً تتكون من أدوار .
النسق الإجتماعي عند بارسونز.
أ-تعريف النسق الإجتماعي: النسق الإجتماعي يتكون من شخصين أو أكثر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، في موقف مشترك وقد يكون هناك حواجز ميكانيكية أو طبيعية إلا أن الأفراد يتوجهون نحو مركز مشترك أو نقطة ذات ارتباط متبادل
حسب بارسونز: هو مجموعة من الفاعلين (فرد-مجموعة-جماعة) يحتل كل منهما مكانة أو وضعية ويؤدي دورا و وظيفة وفق إطار من القيم والمعايير والرموز المشتركة. وعلى العموم فالنسق الإجتماعي يتضمن أو يتكون من أربعة أنساق اجتماعية وكل نسق من هذه الأنساق الفرعية بدوره يتكون من أنساق فرعية أخرى.
بدأ بارسونز تحليله للنسق الإجتماعي من أصغر مكوناته -التفاعل الإجتماعي-، إذ يلعب كل فاعل دورا معينا في عملية التفاعل، كما تكون له مكانة معينة في شبكة العلاقات يكتسبها من طبيعة الدور الذي يؤديه، إذا فالمكانة والدور يعكسان مشاركة الفاعل في نسق التفاعل، وعندما يؤدي الفاعل دوره (أي يدخل في علاقة تفاعل)فلا بد أن يوفق بين واقعيته وبين التوجيهات المعيارية التي تحكم سلوكه وسلوك الآخرين، وفي الحقيقة فإن كل فاعل يسعى لتحقيق أهداف فاصلة إلا أنها لا تتعارض مع أهداف الآخرين ومع معايير وقيم المجتمع، يعني يتم التوافق والتكامل بين دافعية الفاعل والتوجه ألقيمي في المجتمع
إن هذا التكامل يعبر عن تكامل النسق الإجتماعي ككل، فإذا تحقق على مستوى التفاعل بين الفاعلين فإن ذلك يعني أن النسق سوف يحقق في النهاية تكاملا كليا.
ب-الأنساق الفرعية للنسق الإجتماعي:
:ميز بارسونز من خلال نموذجه للوظائف الأربعة لتحليل أنساق المجتمع الفرعية بين أربع أنساق فرعية
*النسق الاقتصادي:يشمل الأنشطة الخاصة بالإنتاج والتوزيع، يحقق وظيفة التكيف أي يمكن المجتمع من التكيف مع البيئة ويسيطر عليها لكي يستمر في الوجود.
*النسق السياسي:له وظيفة تحقيق الهدف، أي يرسم للمجتمع أهدافه ويعمل على تعبئة الموارد الممكنة لتحقيق هذه الأهداف.
*الروابط المجتمعية: تحقق وظيفة التكامل، أي أنها تفرض التنسيق اللازم لاستمرار المجتمع.
*التنشئة الإجتماعية: تقوم بوظيفة المحافظة على نمط المجتمع، فمن خلال التنشئة يتم نقل ثقافة المجتمع إلى الأفراد الذين يستدمجونها وتصبح عاملا هاما في خلق الدافعية للسلوك الملتزم.
وهذه الأنساق الأربعة ترتبط بعلاقات اعتماد متبادل فكل نسق فرعي من أنساق المجتمع يهدف إلى تحقيق وظيفة تعد مستلزما أساسيا للنسق ككل، فإذا غابت ينهار النسق.
الانتقادات الموجهة لبارسونز :
1 – لم يقم بارسونز بتطوير نظريته في الأنساق الاجتماعية وإنما حاول تأكيد فائدتها التحليلية ، وكان هذا التأكيد بمثابة تكرار لدراسات سابقة أجراها علماء اجتماع آخرون جاءوا قبله .
2 – ترتكز نظرية بارسونز الاجتماعية على فرضية خاطئة هي إن النظرية الاجتماعية تمثل جانباً جزئياً من نظرية عامة في السلوك الإنساني .
3 – يحاول بارسونز أن يدمج نظريته الاجتماعية بالنظرية النفسية دون علمه بذلك . وهنا لم يفصل بارسونز بين ما هو اجتماعي وما هو نفسي .
4 – يقع بارسونز في تناوله للثقافة في نفس الأخطاء والتناقضات التي يقع فيها علماء الانثروبولوجيا الثقافية . فهو يعتبر الثقافة انساقاً نمطية من الرموز ، وتمثل هذه الرموز موضوعات التوقيه عند الفاعلين . ولكن لو رددنا الثقافة إلى رموزها لما تبقى للرموز الثقافية شيء ترمز إليه . وهنا يقع بارسونز في صعوبات لا يستطيع الآفلات منها عند دراسته للثقافة وعناصرها .
5 – أن نظريته عن الفعل تكشف عن أبعاد ومقومات غامضة .
6 – أن تحول بارسونز من الطوع في بناء السلوك البشري إلى الاهتمام بالجوانب النفعية أو ما شبه ذلك يعبر اصدق ما يكون التعبير عن تأثير الايديولوجيا في تفكيره وتقييدها لكثير مما يقدمه من تصورات وتمييزه بين الفعل والسلوك ليس له ما يبرره إلا التبريرات الفلسفية.
7 – أن أفكار بارسونز عن التوازن والاستقرار في النسق تكشف عن تستره الفكري وراء الأيديولوجية الرأسمالية في مواجهة فلسفة الصراع .
8 – ينطوي موقف بارسونز من مشكلة الانحراف عن النسق على أفكار متناقضة بما يعقد الأمر ويجعل من الصعوبة بمكان التمييز بين دخول الانحراف إطار النسق أو خروجه كلية عنه .
9 – قامت نظريات مناهضة لنظرية النسق تقول بالصراع الاجتماعي الذي يختلف عما يسميه بارسونز بالصراع الطبقي
10 – أن موقف بارسونز من مشكلة التغيير الاجتماعي خاصة التغير في البناء الاجتماعي يتجاهل كثيرا من الحقائق السوسيولوجية .
11 – أن متغيرات النمط أو البدائل النمطية لم تصادف إلا نجاحا محدودا في فترة معينة من تطور النظرية في علم الاجتماع فحسب لأنها تقسيمات قاصرة ومحدودة ويشوبها الخلط بين الأبعاد و الحدود
أدى تفكك البناء التحتي إلى تفكك مستوى الفكر- كما أسلفنا – إذ لم تكن هناك نظرية عامة في المجتمع الأمريكي تستطيع أن تعيد للمجتمع توازنه أو يتعلق بها من أضيروا بهذه الأزمة. وفي هذه الظروف لاقت الماركسية انتشاراً واسعاً في المجتمع الأمريكي، وخاصة بعد النجاح الكبير الذي حققته في روسيا في هذه الفترة، فقد ظهرت أمام الأمريكيين على أنها مجتمع تغلَب على مشكلة الأزمات الاقتصادية عن طريق التخطيط الرشيد وأنها تقدم للجماهير مستوى أعلى من الخدمات التي تقدم في الأقطار الرأسمالية.
تفشى المد الشيوعي إلى الولايات المتحدة في العقد الرابع من القرن العشرين، وكانت الطبقات الوسطى سواء في أمريكا أم سائر أوروبا كانت تخشى الامتداد الشيوعي وتعتبره خطراً عالمياً في الوقت الذي تواجه فيه بأزمة اقتصادية. هنا ظهر اتجاهات متعارضان: رؤية راديكالية متأثرة بالماركسية ترى أن الوقت مناسب للقيام بثورة، ورؤية محافظة ترى أن كل هذه الأحداث تهدد النظام العام الذي يجب المحافظة عليه مهما كانت الظروف.
وفي هذه الظروف اتجه علم الاجتماع في أمريكا وجهة إمبريقية تستهدف مسح المشكلات الاجتماعية والتعرف على خصائص المجتمعات المحلية. وظهر الاتجاه قوياً داخل ما يعرف بمدرسة شيكاغو حيث كانت جامعة شيكاغو تضطلع بدور كبير في تدريس علم الاجتماع وفي البحث الاجتماعي، واستطاعت في فترة ما بين الحربين أن تراكم مادة إمبريقية هائلة حول المشكلات الحضرية دون أن تستطيع تطوير إطار نظري عام يجمع هذه المادة وينظمها في رؤية نظرية عامة. وبجانب بحوث مدرسة شيكاغو ظهرت بحوث إمبريقية أخرى كان موضوعها الأساسي دراسة المجتمعات المحلية دراسة مسحية وصفية دون الالتزام بأطر نظرية واضحة.
وإزاء هذا الاهتمام المبالغ فيه بالدراسات الإمبريقية لم يستطع علم الاجتماع في فترة ما بين الحربين أن يطور لنفسه نظرية عامة يمـكن من خلالها تصوير الخطوط العـامة للبنـاءالاجتماعي الرأسمالي الذي يصيبه التفكك تحت وطأة الأزمة الاقتصادية. وكن من نتيجة ذلك أن حدث ضرب من الانقطاع بين التراث الكلاسيكي لعلم الاجتماع كما تمثل في أعمال دور كايم وماكس فيبر وماركس، وبين التراث السائد للبحوث الإمبريقية ذات الطبيعة المتجزأة. ومن ثم فإنه بالرغم من الجهد الكبير الذي بذل في جمع مادية واقعية وتحليلها وفقاً للأسس العلمية، إلا أن هذه المادة ظلت متناثرة لا يربط بينها رابط ولا ينتظمها نسق فكري واحد. فلم يعرف علم الاجتماع الأمريكي في هذه الفترة أية أنساق نظرية سوى تلك التي ظهرت داخل نطاق علم النفس الاجتماعي من خلال جهود وليام وكولي وجورج وهربرت ميد والتي تبلورت فيما عرف بعد بنظرية التفاعل الرمزي.
هذه هي الظروف البنائية والفكرية التي واجهها بارسونز عندما بدأ عمله في قسم الاجتماع بجامعة هارفارد عام 1931. ولقد فرضت عليه هذه الظـروف فضـلاً عن ظـروف تكوينه
الفكري أن يتجه اتجاهاً مغايراً لما هو سائد في ألأوساط السسيولوجية في هذا الوقت. كان بارسونز قد عاد من رحلة في أوروبا استوعب فيها التراث الألماني المثالي، والتراث الوضعي الفرنسي، وتراث الأنثربولوجيا الإنجليزي. إزاء هذا التكوين الفكري ذي الاتجاه النظري الواضح لم يقتنع بارسونز بالاتجاه الإمبريقي الذي كان يسيطر على المدرسة المريكية في علم الاجتماع. فقد كان بارسونز على يقين من أن جمع الحقائق الإمبريقية ليس كافياً لإقامة صرح العلم، فلابد من تجميع الحقائق في إطار نظري يمكن من خلاله تفسيرها وإيجاد العلاقات المنطقية بينها. وربما في إطار نظري يمكن من خلاله تفسيرها وإيجاد العلاقات المنطقية بينها. وربما كان بارسونز يدرك – بوعي منه أو بغير وعي – أن مثل هذه البحوث الإمبريقية لن تسهم في حل مشكلات المجتمع الذي يعاني من الأزمة الاقتصادية، وأن هذا الحل يمكن أن يتاح فقط إذا ما انصهرت العناصر المكونة للبناء الاجتماعي في " كل " واحد يوفق بين حرية الفرد ومصلحة المجتمع، وبناء على ذلك فإن البديل النظري الذي طرحه بارسونز يمكن النظر إليه من ناحية رد فعل تجاه " مشكلة المجتمع " التي حاول أن يضعها في سياق نظري عام رافضاً بذلك الرؤى الجزئية النابعة من البحوث الإمبريقية.
يبدو أن الظروف التي كان يمر بها المجتمع الأمريكي فضلاً عن ظروف تكوين بارسونز الفكري قد دفعته إلى عدم اللجوء إلى الماركسية ليستمد منها عناصر فكرية لصياغة نظريته. وفي مقابل ذلك اتجه بارسونز إلى المثالية الألمانية، والوضعية الفرنسية، والنفعية محاولاً أن يخلق من امتزاجهم جميعاً موقفاً نظرياً جديداً. ولقد ظهر هذا الموقف النظري الجديد في كتاب بارسونز الأول " بناء الفعل الاجتماعي" والذي حاول فيه أن يوضح جوهر الاتفاق بين أفكار ماكس فيبر ومارشال وباريتو ودور كايم فيما أسماه بارسونز بالنظرية الطوعية في الفعل. ولقد وضع بارسونز في هذا الكتاب المبادئ الأساسية بالنظرية العامة للفعل التي كان يعتبرها قاسماً مشتركاً بين علوم عديدة كعلم الاقتصاد وعلم النفس وعلم الاجتماع والأنثربولوجيا وجاءت كل أعمال بارسونز التالية كمحاولات لحل المشكلات النظرية التي أثارتها النظرية العامة في الفعل، ولإحكام الفروض التي طرحتها وإكسابها قدراً من الدقة والتنظيم. وكانت النتيجة عدداً من النماذج النظرية التحليلية التي تفسر أنساق المجتمع والعلاقات فيما بينهما، وطبيعة التباين في التغير في هذه الأنساق، والطابع العام للتطور. كانت النتيجة على ما يذهب البعض رؤية نظرية عامة على أعلى مستوى من التجريد حيث تكاد تخرج بنا خارج نطاق هذا العالم الذي نعيش فيهتأثر بنظرية فيبر في الفعل الاجتماعي كما درس وتأثر بكل من مارشال صاحب نظرية المنفعة الحدية ودوركايم الذي كان له الفضل في تأكيد اعتقاد بارسونز بأن علم الاجتماع ينبغي أن يتطور إلى نسق من الفكر واقعه موجود في عمليات الحياة الاجتماعية.
هذا وتأثر بارسونز بكل من فرويد صاحب مدرسة التحليل النفسي ، وباريتو كما شترك مع علم النفس هندرسون في مناقشة محاولة باريتو وضع نظرية علم الاجتماع على نمط ميكانيكي .
ويؤمن بارسونز بأهمية التعاون والترابط بيم الاجتماع والعلوم الأخرى ، ولهذا أنشأ قسماً للعلاقات الاجتماعية في جامعة هارفارد يضم علماء الاجتماع وعلماء النفس والفسيولوجيين والأثنولوجيين وعلماء البيولوجيا .
وقد كتب بارسونز العديد من الكتب والمؤلفات العلمية الهامة ويعتبر مؤلفة الرئيسي الأول " بناء الفعل الاجتماعي " 1937 م بمثابة نقد لنظريات مارشال وباريتو ودوركايم وفيبر ، وهو يرى أنه برغم الاختلافات بين هؤلاء العلماء إلا أنهم جمعيا بدءوا من نقطة واحدة هي في رأيه " الفعل الاجتماعي التطوعي أو الاختياري " .
أهم افتراضات بارسونز :
- يعبر البناء الاجتماعي عن عدد من الوظائف الرئيسية الأساسية و تتكون هذه الوظائف من التكامل و المحافظة على النمط و إدراك الهدف و التوافق .
- مستوى الاكتفاء الذاتي في مختلف البيئات هو الأساس الذي يقوم عليه المجتمع .
- المحور الأساسي للمجتمع يميل لتحقيق التوازن أو المحافظة على الاتزان .
- لا ينظر للنسق بأنه جامد بل يمتلك القدرة على التطور و تتكون العمليات الأساسية التي تهدف لتحقيق التطور من التباين [ زيادة تقسيم العمل و تخصص الأبنية الوظيفية ] والتوافق [ تزايد حرية الوحدات الاجتماعية واستقلالها عن محدودية الموارد ] واندماج الأبنية الجديدة في النسق المعياري و تعميم القيم (تطور أنساق القيم إلى أعلى مستويات العمومية من أجل المحافظة على التكامل أثناء التطور ) .
- الثقافة المسيحية هي الدافع الأول وراء عملية تطور المجتمع الحديث ، و أن تطور المجتمع يتحقق أثناء تقدمه في مراحل تاريخية ليصل إلى أمريكا الحديثة كما نراها اليوم.
منهجية بارسونز العلمية :
- المضاهاة بين المنهج النظري و أحكام الحقيقة الإمبيريقية التي اختيرت لإثبات صحة التفسير النظري و عندما تجمع هذه النقاط سويا يصبح في الإمكان النظر إلى منهج بارسونز باعتباره استدلالا لصيغ العلاقات الاجتماعية.
- يقوم هذا الاستدلال على التاريخ و المماثلة البيولوجية، و تعززه المضاهاة بين الفكر النظري و الحقائق الإمبيريقية .
- من هنا يصل لصياغة محكمة للنموذج البنائي الوظيفي في المجتمع استنادا على الاستدلال التاريخي والمنطقي الذي يقوم على قبول التعريف البيولوجي للحقيقة الاجتماعية.
بعض الأفكار المهمة لدى بارسونز :
-الاعتقاد بان الفعل الاجتماعي هو الموضوع الحقيقي لعلم الاجتماع .
-التركيز على مفهوم النسق الاجتماعي الذي يعرف بأنه " مجموعة من الأفراد المدفوعين بميل إلى الإشباع الأمثل لاحتياجاتهم " .
بارسونز بين الوظيفيين :
يمكن وصف موقف بارسونز من المدخل البنائي الوظيفي بأنه جاء معبر عن الوظيفية في إطار النسق كما يمكن أن نطلق عليه مذهب الحتم الوظيفي وهذا المذهب جاء محملا بأفكار مستقاة من المجال السيكولوجي والانثرويولوجي والعضوي فضلا عن البعد السوسيولوجي تكشف عن كل هذه إعمال بارسونز وآراؤه حول الفعل والنسق في كثير من الأحوال .
وقد بدأت اهتمامات بارسونز الوظيفية مع تحوله من الإتجاة الطوعي في بناء الفعل إلى إعطاء الأبعاد النفعية والشروط المفروضة دلاله أكبر ومن هناء قال بالملزمات الوظيفية وهي تعبر عن نقاط الإركتاز القوية في نظريته عن النسق الاجتماعي ولهذا التحول أسبابه التاريخية والاجتماعية ومنها حرب الأيديولوجيات والنزاعات الساخنة وحيال ظهر الضغط الشيوعي في روسيا وقوه الدولة وما كان لهذا الضغط من مراميه الفكرية ووسائله الخاصة حاول بارسونز البحث عن أسس جديدة لتدعيم الاستقرار الاجتماعي والتوازن عن طريق تصور يبنى أولا وقبل كل شي على الأسس المستمدة من الرأس ماليه خاصة في مجتمع الولايات المتحدة الأمريكية وقد تبلور ذلك في توسيع نطاق فكرة النسق الاجتماعي وفي التركيز على متطلباته الأساسية بما جعلها بمثابة العلامات التجارية التي تميزه عن غيرة خاصة انه قد حددها على سبيل الحصر ومع انه قد استلهم الكثير من الأفكار الوظيفية التي قال بها غيرة إلى أن إنطباعة الشديد بالوظيفية البنائية في أكثر صورها اهتمام بالتكامل الاجتماعي والاستقرار كان جليا وصريحا التزاما به بالتوجيه الأيديولوجي الذي لم يحد عنه ومن ثم فقد أقر بالثبات النسبي لما يطلق عليه العناصر البنائية وجعل من التوازن الوظيفي مفهوم لتفسير التغير النسبي في الأجزاء والوحدات وحسم مشكلة التضارب بين العلماء فيما ينبغي التركيز عليه أكثر البناء أم الثقافة حين وضع مخططه عن الأنساق الكبرى والأنساق المتضائلة وربط بين هذه وتلك ربطا قويا في الوقت الذي لم يهمل في بيان الحدود التي يمكن أن تفصل بينها تحليلياً وتساقا مع هذا التصور فقد أهتم بكل من النسق الاقتصادي والسياسي والمجتمع المحلي والتكنولوجيا على اعتبار أنها تمثل أهم الأنساق الصغرى وطبق عليها المقولات والقضايا التي ساقها بالنسبة للأنساق الكبرى والجدير بالذكر أن هذه الأنساق وكذالك الأوساط العامة للتبادل تشكل كثرا من المبادئ البنائية والجماعات الرئيسية لتتضح أبعاد فكرة البناء فضلا عن الدور أو مجموعة الأدوار المنوطة بكل منها وهي أدوار يعتبرها بارسونز متدرجة في البناء وفي الأداء مع تطور ونمو الوحدات الاقتصادية والإدارية والسياسية الحديثة ومع ظهور الجماعات والروابط الاختيارية كما ناقش بارسونز التمايز والتكامل في الأداء الوظيفي وذهب في هذا الشأن إلى أن الاختلاف في بناء الوحدات لا يؤدي إلى إخلال بالتناسق والتكامل الذي يمكن أن يوم بينهما وان تعدد يخدم مبدأ الوحدة الوظيفية الذي يقترن بمبدأ أخر هو التفاعل الاجتماعي وهذا ما يكسب النسق خاصية النشاط والفاعلية بجانب وجود المقومات والعناصر الأكثر ثباتا وإذا كانت الأنساق حسب ما يتصور بارسونز فقد حاول جاهدا تبرير الدور السلبي للثورات وقدم من الشواهد ما يعتقد في أنه يؤدي قضاياه فقال مثلا بأن الثورة الروسية 1917م لم تؤثر على البناء الاجتماعي للمجتمع الروسي إلا بعد انقضاء وقت طويل على قيامها وفقدت بذلك كثير من المبادئ التي سعت إليها تحت تأثير الشروط الزمنية والعوامل الأخرى التي أثرت فيها وعلى أي حال فإن بارسونز كثير ما أشار إلى الثورات كمعوقات وظيفية فضلا عن أثرها الضار على استقرار البناء الاجتماعي وتكامله
الاتجاه الوظيفي البنائي عند بارسونز :
بدأت المرحلة الرابعة من مراحل تطور الفكر السوسيولوجي في الثلاثينات داخل الولايات المتحدة ، و تمثل الأعمال الأولى عند بارسونز محاولة التوفيق بين المحتوى الروحي للاتجاه الرومانتيكي الألماني ، الذي يركز على التوجيه الداخلي للفاعل ، و بين تراث النظرية الوظيفية الفرنسية ، و على أي حال فقد وجه بارسونز اهتمامه الأساسي منذ البداية إلى المحتوى الرومانتيكي الذي ظهر في موقفه الطوعي و لذلك فإن نظريته تشتمل على اتجاهين متميزين من الناحيتين التاريخية و الثقافية ، فهناك الاتجاه النفعي الاجتماعي الفرنسي ، الذي تفسر من خلاله الترتيبات الاجتماعية في ضوء فائدتها و وظيفتها بالنسبة للجماعة الكبرى أو المجتمع .
و قد نظر إليها بوصفها نسق العوامل المرتبطة ، و هناك أيضا ً الأهمية الرومانتيكية التي تنسب إلى العوامل الخلقية أو القيمية ، التي تمارس وظيفتها في تدعيم الامتثال .
إن التكامل الذي حققه بارسونز بين الاتجاه الوظيفي و الاتجاه الطوعي يمثل انعكاسا ً للصراع بين المنفعة و الأخلاق أو الحقوق الطبيعية الذي وجد في الثقافة البورجوازية ، و من ثم فإن محاولة بارسونز تمثل مواجهة لهذا الصراع الثقافي و محاولة حله على المستوى النظري .
و في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية تركز اهتمام بارسونز على المجتمع بوصفه نسقا ً اجتماعيا ً مكونا ً من نظم متفاعلة و متضمنات أخرى متداخلة و في تلك المرحلة أيضا ً ظهر تأكيد بارسونز على فكرة التدعيم الذاتي و النسق المتوازن ، و هو ذلك الكل المعقد الذي يشتمل على الميكانيزمات الخاصة التي تسهم بدورها في الاستقرار الداخلي للمجتمع ، و من ثم كان بارسونز يهتم في فترة ما قبل الحرب بالقيم الأخلاقية بوصفها بواعث داخلية على الفعل الاجتماعي .
إن هذه الفترة المبكرة كانت تركز على أهمية تدعيم النسق ، أما في الفترة الثانية فقد نظر إلى استقرار النسق الاجتماعي ، باعتباره متوقفا ً على محاولاته الخاصة التي يبذلها من أجل التكامل و التوافق ، و ذلك بدلا ص من النظر إلى إرادة الأفراد و بواعثهم و لذلك أنصب اهتمام بارسونز على أن تدعيم النسق الاجتماعي لتكامله يجعل الأفراد متوافقين مع ميكانيزماته و نظمه ، و يعودهم باستمرار إلى أن عيدوا النسق بما يحتاج إليه .
و يؤلف الفعل الاجتماعي بالنسبة إلى بارسونز الوحدة الأساسية للحياة الاجتماعية، ولأشكال التفاعل الاجتماعي بين الناس، فما من صلة تقوم بين الأفراد والجماعات، إلا وهي مبنية على الفعل الاجتماعي، وما أوجه التفاعل الاجتماعي إلا أشكال للفعل التي تتباين في اتجاهاتها وأنواعها ومساراتها، ولهذا يعد الفعل عنده الوحدة التي يستطيع الباحث من خلالها رصد الظواهر الاجتماعية وتفسير المشكلات التي يعاني منها الأفراد، وتعاني منها المؤسسات على اختلاف مستويات تطورها.
والفعل الاجتماعي بالتعريف هو سلوك إرادي لدى الإنسان لتحقيق هدف محدد، وغاية بعينها، وهو يتكون من بنية تضم الفاعل بما يحمله من خصائص وسمات تميزه من غيره من الأشخاص. وموقف يحيط بالفاعل ويتبادل معه التأثير. وموجهات قيمية وأخلاقية تجعل الفاعل يميل إلى ممارسة هذا الفعل أو ذاك، والإقدام على ممارسة هذا السلوك أو غيره.
مكونات الفعل الإجتماعي: لدى بارسونز فإن أي فعل اجتماعي لابد أن يتكون من:
*الفاعل: ويتمثل في القائم بالفعل وهو كيان فردي أو جماعي.
*الموقف: ويمثل المحيط الذي يقوم فيه الفاعل بفعله ويشتمل على الموضوعات الفيزيقية الإجتماعية التي يرتبط بها الفاعل.
*الرموز: هي تلك الوسائل التي يرتبط من خلالها الفاعل بالعناصر المختلفة داخل الموقف من إمكانيات يختارها لتحقيق أهدافه.
*القواعد والمعايير والقيم: وهي التي تتحكم في توجيه الفاعل داخل الموقف.
إذا فأي تصرف يقوم به الفاعل بوعي منه أي له هدف وتوفرت فيه جل الشروط السابقة فهو فعل اجتماعي، أما إذا اختل شرط(مكون) من شروط الفعل فهو سلوك.
ج-الأنساق الفرعية لنسق للفعل الإجتماعي:من منظور بارسونز فإن أي فعل يضم أربعة أنساق فرعية وكل نسق مرتبط بوظيفة من الوظائف الأربعة للفعل، وهذه الأنساق الفرعية هي[4]:
*النسق العضوي(البيولوجي):وظيفته تحقيق التكيف، حيث أنه ينظم العلاقات مع العالم الفيزيقي، وهو الذي يتكيف معه أو يتحكم فيه أو يعيد تشكيله.
*نسق الشخصية: وظيفته تحقيق الهدف، فهو أداة يحقق النسق العام أهدافه بواسطته.
*النسق الإجتماعي: وظيفته تحقيق التكامل، من خلال الدور الذي يقوم به في المجتمع.
*النسق الثقافي: وظيفته المحافظة على النمط، لأن الثقافة هي التي تزود الفاعلين بالدافعية والتدعيم اللازمين لأفعالهم.
إن كل نسق يعتمد على الآخر ويدعمه ويكمله، فالشخصية مثلا لا يمكن أن توجد دون وجود الكائن العضوي أو دون وجود شبكة من العلاقات المتبادلة مع النسق الإجتماعي، والعالم الرمزي للثقافة.
ولهذا يلاحظ أن بارسونز يدرس الفعل الإنساني بوصفه منظومة اجتماعية متكاملة، يسهم كل عنصر من عناصرها في تكوين الفعل على نحو من الأنحاء، وهي مؤلفة من أربع منظومات فرعية تتدرج من المنظومة العضوية إلى المنظومة الشخصية، فالاجتماعية فالثقافية والحضارية.
وفي حين تحدد المنظومة العضوية الخصائص العضوية للفاعل، تتحدد من خلالها حاجاته وإمكاناته، وقدراته، ولا يستطيع المرء أن يمارس الفعل الاجتماعي إلا في الحدود التي تسمح بها عضويته، ومكوناتها. وتختلف عن ذلك المنظومة الشخصية التي تحمل قدراً كبيراً من الخصائص التي تميز الفاعلين من بعضهم بعضاً بما أوتوا من تفاضل في القوة والتأثير والقدرة على تحمل المصاعب، وغير ذلك من الصفات التي تجعل الأفراد يتفاوتون أيضاً في قدراتهم على ممارسة الفعل الاجتماعي الواحد.
أما المنظومة الاجتماعية في الفعل فتنطوي على نظم التفاعل والروابط التي يقيمها الناس بين بعضهم بعضاً، ويستطيعون من خلالها ممارسة الفعل على النحو الذي يصيرون فيه قادرين على ممارسة الفعل، فهم يتوزعون المواقع الاجتماعية التي تتيح لكل منهم ممارسة الفعل على نحو مختلف تبعاً للموقع الاجتماعي الذي يشغله في بنية المنظومة الاجتماعية، فالمرء لا يستطيع أن يمارس الأفعال الاجتماعية إلا في الحدود التي تسمح بها المواقع والمهام التي يشغلها في بنية التنظيم.
وتأتي المنظومة الحضارية والثقافية في أعلى مستويات منظومة الفعل، حيث تنطوي على القيم والأخلاق والمبادئ العامة التي توحد تنوعات المنظومة الاجتماعية، ومنها يستقي الأفراد المعاني والدلالات التي تنطوي عليها الأفعال، ومن خلالها يستطيع المرء أن يميز أشكال الفعل، ويحكم على صلاحيتها بالنسبة إلى ثقافته وحضارته.
وتتجلى وحدة المجتمع بوحدة المنظومة الثقافية والحضارية التي تؤلف مصدر تقويم الأفعال وتوجيهها، وبفضل وحدة المنظومة الثقافية أيضاً يتحقق للتنظيم الاجتماعي توازنه واستقراره، وليس من اليسير أن تتغير معالم المنظومة الثقافية بين عشية وضحاها، بل تتأكد من خلالها شخصية التنظيم الاجتماعي وهويته، ومن خلالها يظهر التباين بين المجتمعات الإنسانية والحضارات المتعددة.
ويشير بارسونز إلى جملة من الآليات (الضوابط) التي تسهم في حفظ النظام وتوازنه مع اختلاف الزمن والمراحل التي يمر بها التنظيم الاجتماعي، ومن ذلك التنشئة الاجتماعية التي يُلَقّن من خلالها الفرد، منذ صغره، القيم والمعايير الثقافية التي يعود لها الفضل في ضبط السلوك وأشكال الفعل وتوجيهها كما يعود استقرار التنظيم الاجتماعي وبقاؤه إلى قدرته على التكيف مع التغيرات التي تطرأ على تفاعله مع المحيط، وتلبية الحاجات التي تدعو إليها عمليات التغيير، وخاصة بالنسبة إلى كل مكون من مكونات التنظيم، وبذلك يحقق التنظيم الاجتماعي وظيفتين بآن واحد، تكيفه مع البيئة المحيطة به من جهة، وتكامل مكوناته من جهة أخرى. .
المتغيرات النمطية التي تحكم علاقة الفاعل بالفاعلين و بالموضوعات عند بارسونز
أبرز البعض اسهامات بارسونز بالنسبة للنظرية الوظيفية و حصرها في فكرته عن البدائل النمطية ، للتوجيهات القيمية و التي تنحصر في متغيرات النمط المتمثلة في :
1 ــ الوجدانية في مقابل الحياد الوجداني حيث يعتبر النمو وجدانيا ً إذا كان تتيح الإشباع المباشر لحاجة الفاعل بينما يعتبر محايدا ً من الناحية الوجدانية إذا كان يفرض النظام ، و يتطلب التخلي عن الخاص ، عن الخاص من أجل مصالح الآخرين .
2 ــ العمومية مقابل الخصوصية و يشير المتغير الأول إلى مستويات القيمة التي على درجة كبيرة من العمومية بينما يشير الثاني إلى المستويات التي لها دلالة لفرد معين في علاقات معينة مع أشخاص معينين .
3 ــ الأداء في مقابل النوعية و كان بارسونز يسميها أولا الوراثة في مقابل الاكتساب و يعني بها تلك المعالجة ا الأولية لشيء على أساس ماهيته في حد ذاته أي حقيقة مواصفات الشيء ، أو أن يكون الفعل على أساس تحقيق أهداف معينة موضوعة و هذا هو الأداء .
4ــ التخصص في مقابل الانتشار : فيمكن أن تعرض مصلحة ما على وجه التخصيص ، بحيث لا يكون هناك ثمة إلزام أبعد من تلك الحدود المرسومة أو تعرف بشكل عام بحيث لا تتجاوز الالتزامات حدود التعريف الظاهر الذي يفترض وجوده .
و يعتقد بارسونز أن الفاعل يهدف الوصول إلى أكبر إرضاء و الفروض من الناحية الواقعية لا يمكن أن يرغب في الحصول على كل شيء ، و لذلك لا بد من أن يقف محايدا ً إزاء بعض الأشياء ، و من تحليله لهذه البدائل النمطية استطاع أن يصل إلى فكرته عن متغيرات النمط الخمس والتي ترتبط بنظرية الأنساق لبارسونز ، كما أن بارسونز أوضح أيضا وظيفة البناءات ، فذهب إلى أن التحليل البنائي الوظيفي يتطلب معالجة منظمة لأدوار و مراكز الفاعلين في موقف اجتماعي معين و بالإضافة إلى معالجة النظم الاجتماعية المتضمنة لها .
و يشير المركز على مكان الفاعل في نسق علاقات اجتماعية ينظر إليها باعتبارها بناء و الدور رغم ارتباطه بالمركز إلا أنه بمثابة الوجه الدينامي له ، كما أنه يشير إلى سلوك الفاعل في علاقته بالآخرين ، أما الأنماط النظامية في التوقعات النمطية أو البنائية فهي التي تحدد السلوك الثقافي المناسب للأشخاص الذين يقومون بأدوار اجتماعية متعددة و مختلفة .
المتطلبات الوظيفية :
أشار بارسونز إلى أنه بالإمكان تحليل المجتمعات باعتبارها أنساقا ً اجتماعية و أنه إذا كان على أي نسق اجتماعي أن يستمر عليه أن يعمل على تحقيق أربعة شروط أساسية أو بعبارة أخرى عليه أن يتغلب على أربعة مشاكل أساسية ، و لقد أطلق على هذه المشكلات أو الشروط المتطلبات الوظيفية أو الضروريات الوظيفية و هذه المتطلبات لا تهم التنظيم الاجتماعي فقط و إنما تتعلق بالحاجات الشخصية لأعضاء المجتمع أيضا ً و هذه المتطلبات الأربعة هي :
التكيف مع البيئة:
على كل مجتمع أن يحقق الحاجات الطبيعية لأعضائه إذا كان عليه أن يستمر ، و لكي يحقق ذلك عليه أن يضع الترتيبات اللازمة مع بيئته الطبيعية ، ويعتبر الغذاء و المأوى بمثابة حد أدنى من هذه المتطلبات ـ و عادة ما يشتمل مجالها على الأنساق الفرعية الخاصة بالإنتاج و التوزيع .
انجاز/تحقيق الهدف ينبغي على أي مجتمع أن يتوصل إلى بعض الاتفاق المشترك بين أعضائه حول أهدافهم و أولوياتهم و هكذا عليهم أن يوفروا الترتيبات الضرورية للتعرف على و اختيار تحديد هذه الأهداف الجمعية و توفير الترتيبات البنائية الضرورية لبلوغ هذه الأهداف .
المحافظة على النمط و إدارة التوتر على كل مجتمع أن يتأكد من أن أعضائه متحفزين ما فيه الكفاية لأداء الأدوار الضرورية المطلوبة و لتحقيق الالتزام الضروري بالقيم في هذا المجتمع و عليهم أيضا أن يكونوا قادرين على إدارة التوترات الانفعالية التي يمكن أن تظهر بين الأعضاء خلال التفاعلات الاجتماعية اليومية .:
التكامل/ الادماج : لكي يحافظ أي مجتمع على وجوده عليه أن يضمن قدرا ً من التعاون و الضبط بين العناصر الداخلية للأجزاء المختلفة من النسق الاجتماعي ، و تتعامل المشكلتان الأولى و الثانية ، التكيف مع البيئة و انجاز الأهداف الجمعية مع ظروف و متطلبات تتحقق من خارج النسق و على هذا يمكن النظر إليها على أنها أدائية إلى حد كبير بمعنى أنها تتطلب أداء مهام مثل تعبئة الوسائل من أجل بلوغ الأهداف ذات القيمة .
و تترتب مشكلات المحافظة على النمط و التحكم في التوتر ، و العمل على التكامل بين أفعال الأعضاء ، تترتب على الحقيقة التي مؤداها أنه يوجد هناك دائما ً أكثر من شخص واحد في النسق الاجتماعي ، و بعبارة أخرى من المعترف به أن التفاعل الاجتماعي ذاته يثير مشكلات من داخل المجتمع .
و هاتان المشكلتان ينظر إليهما على أنهما يتعلقان بالجوانب التعبيرية إلى حد كبير ، بمعنى المحافظة على القيم الاجتماعية و ضبط التغيرات الانفعالية ، و على أن مجتمع لكي يحل هذه المشكلات و يحافظ بالتالي على وجوده أن يوفر أربعة سمات بنائية رئيسية ، و هذه السمات البنائية في نظر بارسونز تتمثل في الأنساق الفعرية الرئيسية المتعلقة بالاقتصاد و السياسة و القرابة و التنظيمات الثقافية و المحلية .
و تؤدي النظم القرابية وظائف المحافظة على الأنماط المتوقعة للتفاعل الاجتماعي و تساعد على ضبط التوترات الشخصية المتبادلة إلى حد ٍ كبير من خلال عملية التنشئة الاجتماعية ، و الواقع أن عملية التنشئة الاجتماعية هي التي تشكل شخصيات من يلعبون الأدوار بالدافعية الكافية و الإلتزام بقيم المجتمع .
أما النظم الثقافية و المحلية مثل الدين المنظم و التعليم و وسائل الاتصال فهي تقوم بوظيفة العمل على التكامل بين العناصر المتباينة في النسق الاجتماعي .
و هذه النظم بإمكانها أن تشكل القيم الاجتماعية و تعمل على تدعيمها في الوقت نفسه ، و قد تكون هذه النظم في حاجة إلى مساعدة تتلقاها من الهيئات الرسمية الخاصة بالضبط الاجتماعي ، مثل قوة البوليس و الجيش أو من نظم قانونية خاصة بالمحاكم و التشريع خاصة إذا اتضح عدم كفاية هذه النظم الثقافية .
و يتأثر الشكل الخاص الذي تأخذه هذه الأنساق البنائية الفرعية أو النظم في أي مجتمع بنسق القيم الخاص بهذا المجتمع و كان بارسونز متأثرا ً إلى حدٍ كبير بأعمال دور كايم ، لأن كلا ً منهما كان يعتبر المجتمع في أساسه بمثابة كيان أخلاقي ، و عندما يشير بارسونز إلى بناء المجتمع بمعنى البناء الاجتماعي ، فإنه يشير إلى البناء المعياري بمعنى أنه يشير إلى بناء التوقعات الذي يتجسد في عملية لعب الأدوار وكل الأنساق النظامية الفرعية مثل القرابة و الاقتصاد و السياسة المشار إليها سلفا ً تتكون من أدوار .
النسق الإجتماعي عند بارسونز.
أ-تعريف النسق الإجتماعي: النسق الإجتماعي يتكون من شخصين أو أكثر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، في موقف مشترك وقد يكون هناك حواجز ميكانيكية أو طبيعية إلا أن الأفراد يتوجهون نحو مركز مشترك أو نقطة ذات ارتباط متبادل
حسب بارسونز: هو مجموعة من الفاعلين (فرد-مجموعة-جماعة) يحتل كل منهما مكانة أو وضعية ويؤدي دورا و وظيفة وفق إطار من القيم والمعايير والرموز المشتركة. وعلى العموم فالنسق الإجتماعي يتضمن أو يتكون من أربعة أنساق اجتماعية وكل نسق من هذه الأنساق الفرعية بدوره يتكون من أنساق فرعية أخرى.
بدأ بارسونز تحليله للنسق الإجتماعي من أصغر مكوناته -التفاعل الإجتماعي-، إذ يلعب كل فاعل دورا معينا في عملية التفاعل، كما تكون له مكانة معينة في شبكة العلاقات يكتسبها من طبيعة الدور الذي يؤديه، إذا فالمكانة والدور يعكسان مشاركة الفاعل في نسق التفاعل، وعندما يؤدي الفاعل دوره (أي يدخل في علاقة تفاعل)فلا بد أن يوفق بين واقعيته وبين التوجيهات المعيارية التي تحكم سلوكه وسلوك الآخرين، وفي الحقيقة فإن كل فاعل يسعى لتحقيق أهداف فاصلة إلا أنها لا تتعارض مع أهداف الآخرين ومع معايير وقيم المجتمع، يعني يتم التوافق والتكامل بين دافعية الفاعل والتوجه ألقيمي في المجتمع
إن هذا التكامل يعبر عن تكامل النسق الإجتماعي ككل، فإذا تحقق على مستوى التفاعل بين الفاعلين فإن ذلك يعني أن النسق سوف يحقق في النهاية تكاملا كليا.
ب-الأنساق الفرعية للنسق الإجتماعي:
:ميز بارسونز من خلال نموذجه للوظائف الأربعة لتحليل أنساق المجتمع الفرعية بين أربع أنساق فرعية
*النسق الاقتصادي:يشمل الأنشطة الخاصة بالإنتاج والتوزيع، يحقق وظيفة التكيف أي يمكن المجتمع من التكيف مع البيئة ويسيطر عليها لكي يستمر في الوجود.
*النسق السياسي:له وظيفة تحقيق الهدف، أي يرسم للمجتمع أهدافه ويعمل على تعبئة الموارد الممكنة لتحقيق هذه الأهداف.
*الروابط المجتمعية: تحقق وظيفة التكامل، أي أنها تفرض التنسيق اللازم لاستمرار المجتمع.
*التنشئة الإجتماعية: تقوم بوظيفة المحافظة على نمط المجتمع، فمن خلال التنشئة يتم نقل ثقافة المجتمع إلى الأفراد الذين يستدمجونها وتصبح عاملا هاما في خلق الدافعية للسلوك الملتزم.
وهذه الأنساق الأربعة ترتبط بعلاقات اعتماد متبادل فكل نسق فرعي من أنساق المجتمع يهدف إلى تحقيق وظيفة تعد مستلزما أساسيا للنسق ككل، فإذا غابت ينهار النسق.
الانتقادات الموجهة لبارسونز :
1 – لم يقم بارسونز بتطوير نظريته في الأنساق الاجتماعية وإنما حاول تأكيد فائدتها التحليلية ، وكان هذا التأكيد بمثابة تكرار لدراسات سابقة أجراها علماء اجتماع آخرون جاءوا قبله .
2 – ترتكز نظرية بارسونز الاجتماعية على فرضية خاطئة هي إن النظرية الاجتماعية تمثل جانباً جزئياً من نظرية عامة في السلوك الإنساني .
3 – يحاول بارسونز أن يدمج نظريته الاجتماعية بالنظرية النفسية دون علمه بذلك . وهنا لم يفصل بارسونز بين ما هو اجتماعي وما هو نفسي .
4 – يقع بارسونز في تناوله للثقافة في نفس الأخطاء والتناقضات التي يقع فيها علماء الانثروبولوجيا الثقافية . فهو يعتبر الثقافة انساقاً نمطية من الرموز ، وتمثل هذه الرموز موضوعات التوقيه عند الفاعلين . ولكن لو رددنا الثقافة إلى رموزها لما تبقى للرموز الثقافية شيء ترمز إليه . وهنا يقع بارسونز في صعوبات لا يستطيع الآفلات منها عند دراسته للثقافة وعناصرها .
5 – أن نظريته عن الفعل تكشف عن أبعاد ومقومات غامضة .
6 – أن تحول بارسونز من الطوع في بناء السلوك البشري إلى الاهتمام بالجوانب النفعية أو ما شبه ذلك يعبر اصدق ما يكون التعبير عن تأثير الايديولوجيا في تفكيره وتقييدها لكثير مما يقدمه من تصورات وتمييزه بين الفعل والسلوك ليس له ما يبرره إلا التبريرات الفلسفية.
7 – أن أفكار بارسونز عن التوازن والاستقرار في النسق تكشف عن تستره الفكري وراء الأيديولوجية الرأسمالية في مواجهة فلسفة الصراع .
8 – ينطوي موقف بارسونز من مشكلة الانحراف عن النسق على أفكار متناقضة بما يعقد الأمر ويجعل من الصعوبة بمكان التمييز بين دخول الانحراف إطار النسق أو خروجه كلية عنه .
9 – قامت نظريات مناهضة لنظرية النسق تقول بالصراع الاجتماعي الذي يختلف عما يسميه بارسونز بالصراع الطبقي
10 – أن موقف بارسونز من مشكلة التغيير الاجتماعي خاصة التغير في البناء الاجتماعي يتجاهل كثيرا من الحقائق السوسيولوجية .
11 – أن متغيرات النمط أو البدائل النمطية لم تصادف إلا نجاحا محدودا في فترة معينة من تطور النظرية في علم الاجتماع فحسب لأنها تقسيمات قاصرة ومحدودة ويشوبها الخلط بين الأبعاد و الحدود
الحسين ابوهوش- مدير المنتدى:الحسين ابوهوش
- عدد المساهمات : 494
تاريخ الميلاد : 01/01/1977
تاريخ التسجيل : 25/10/2010
العمر : 47
رد: الإطار البنائي والفكري لنظريات تالكوت بارسونز:
شكرا جزيلا أخي على مساهمتكم القيمة...
sociologue- سوسيولوجي نشيط
- عدد المساهمات : 111
تاريخ التسجيل : 05/12/2010
رد: الإطار البنائي والفكري لنظريات تالكوت بارسونز:
موضوع مهم تم طرحه في امتحان السنة الماضية
الحسين ابوهوش- مدير المنتدى:الحسين ابوهوش
- عدد المساهمات : 494
تاريخ الميلاد : 01/01/1977
تاريخ التسجيل : 25/10/2010
العمر : 47
رد: الإطار البنائي والفكري لنظريات تالكوت بارسونز:
merci infiniment c'est très intéressant
aboufirass- سوسيولوجي فعال
- عدد المساهمات : 90
تاريخ الميلاد : 25/11/1980
تاريخ التسجيل : 12/01/2011
العمر : 44
رد: الإطار البنائي والفكري لنظريات تالكوت بارسونز:
مشكور جدا اخي موضوع قيم
abdellatif mef- سوسيولوجي جديد
- عدد المساهمات : 20
تاريخ التسجيل : 27/11/2010
mouhssine- سوسيولوجي جديد
- عدد المساهمات : 42
تاريخ الميلاد : 28/08/1992
تاريخ التسجيل : 13/02/2011
العمر : 32
رد: الإطار البنائي والفكري لنظريات تالكوت بارسونز:
شكرا جزيلا أخي على المشاركة القيمة
amjdtaza- سوسيولوجي نشيط
- عدد المساهمات : 136
تاريخ التسجيل : 12/11/2010
رد: الإطار البنائي والفكري لنظريات تالكوت بارسونز:
مشكور جدا اخي موضوع
ghadanfar- عدد المساهمات : 7
تاريخ الميلاد : 23/04/1970
تاريخ التسجيل : 17/12/2010
العمر : 54
رد: الإطار البنائي والفكري لنظريات تالكوت بارسونز:
موضوع رائع والف شكر
mazen kh- عدد المساهمات : 2
تاريخ الميلاد : 08/01/1986
تاريخ التسجيل : 08/02/2013
العمر : 38
مواضيع مماثلة
» كتاب النظرية الاجتماعية من بارسونز الى هابروماس
» الإطار السوسيولوجي للمعرفة الإستشراقية
» تلخيص لنظرية بارسونز
» الإطار السوسيولوجي للمعرفة الإستشراقية
» تلخيص لنظرية بارسونز
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأحد يناير 31, 2021 2:44 pm من طرف YOUCEF
» سيغموند فرويد الشخصية السوية والشخصية الغير سوية
السبت سبتمبر 14, 2019 9:16 am من طرف امال
» بحث حول دراسات المؤسسة في علم الاجتماع
الثلاثاء ديسمبر 04, 2018 1:35 pm من طرف بيسان
» مكتبة علم الإجتماع الإلكترونية
الخميس أبريل 23, 2015 7:53 pm من طرف ahlam yamani
» سوسيولوجيا العالم العربي.. مواقف وفرضيات
الأحد مارس 08, 2015 9:13 am من طرف sami youssef
» نظرية بياجي في النمو أو نظرية النمو المعرفي
الأحد فبراير 22, 2015 2:31 am من طرف صباح
» معجم و مصطلحات علم الاجتماع
السبت فبراير 21, 2015 7:36 am من طرف holo
» النظريات السوسيولوجية
الخميس فبراير 19, 2015 8:05 am من طرف صباح
» مفهوم المدينة عند ماكس فيبر
الإثنين يناير 26, 2015 2:13 pm من طرف ♔ c breezy ♔