المواضيع الأخيرة
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
الحسين ابوهوش | ||||
الضباشي | ||||
الحسن سلمي | ||||
أبو يحيى | ||||
said26p | ||||
amjdtaza | ||||
abou aimrane0834 | ||||
oumalaeddine | ||||
sociologue | ||||
aqdazsne |
منع النسخ
نقد الفكر البارسوني 1
صفحة 1 من اصل 1
نقد الفكر البارسوني 1
نقد الفكر البارسوني
تـطوير نـموذج نـظري في علم الاجتماع(2/1)
د. كامل جاسم المراياتي
(خاص للمعهد)
المقدمة:
لم تكن سنوات النصف الثاني من القرن الماضي سنوات اعتيادية بالنسبة لعلم الاجتماع. فقد شهدت أحداثا سياسية وإرهاصات اجتماعية كان لها صداها العميق على الأفكار النظرية والأسس التقليدية لعلم الاجتماع.
فإذا كانت أحداث الطلبة في مايس 1968 وتنامي مظاهر المعارضة في المجتمعات الصناعية الغربية قد هزت بعنف نظريات علم الاجتماع السياسي ونماذجه. فان انهيار الاتحاد السوفيتي أواخر القرن الماضي واعتصام الطلبة في ساحة تيان آن مين في بكين قد أجبرت الكثير من معتنقي الأفكار الراديكالية على مراجعة أفكارهم بجدية طالما كان هناك متسع من الوقت لإعادة قراءة التاريخ وتقليب أوراق الفكر الاجتماعي على نحو جديد وإعادة تقويم كل ما كتب في علم الاجتماع الماركسي من نظريات وآراء وطرق بحث.
وبوجه عام، ليس بخافٍ على المتخصصين في هذا الحقل الأكاديمي إن اغلب ما صيغ من نظريات وآراء في حقل علم الاجتماع، ولاسيما خلال القرن المنصرم، إنما كان ذا مضامين أيديولوجية تبرر مصالح فئة أو طبقة معينة وتدافع عنها. ذلك إن علماء الاجتماع في تلك الحقبة الزمنية لم يكونوا في الواقع سوى منظرين للطبقات الحاكمة والمسيطرة، ولم تكن تنظيراتهم شاملة للنسيج الاجتماعي كله عدا استثناءات قليلة.
وربما نستطيع أن نضرب أمثلة واضحة على ذلك بآراء الاتجاهات المحافظة والمدرسة البنائية الوظيفية في علم الاجتماع ممثلة بأفكار راد كليف براون ومالينوفسكي أو تالكوت بارسونز من جهة أو برنشتاين أو نيقولا بوخارين من طرف آخر.
على إننا بوصفنا مفكرين عرباً، وان كنا بعيدين نسبياً عن حقل التنظير الاجتماعي خلال تلك المدة. مدعوين بالمقابل، وبحق، إلى الاطلاع على نظريات علم الاجتماع جميعها، يساراً ويميناً ووسطاً، والاستنارة بالتيارات النقدية حديثها وقديمها، ومراجعة أفكار المفكرين العرب وإعادة قراءة الفكر الإنساني قراءة جيدة لبناء علم اجتماع عربي شامل ودينامي ينطلق من الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في الوطن العربي وما تشتمل عليه تلك الظروف من علاقات اجتماعية جوهرية وثانوية وتكتلات فرعية.
وسنتوقف هنا مع واحدة من أشهر واكبر نظريات علم الاجتماع وان كانت نظرية متحيزة تمثل فكراً وظيفياً يهتم بدراسة الدور الذي يمارسه النظام في المحافظة على تماسك البناء الاجتماعي للمجتمع، بغية إعادة قراءتها بعين نقدية، الا وهي نظرية تالكوت في الفعل الاجتماعي.
المبحث الأول: في الفعل الاجتماعي
أولا : الاتفاق القيمي
لاشك إن الإنسان لا يستطيع العيش بمعزل عن الآخرين، وهذا ما اتفق عليه المفكرون الاجتماعيون كلهم، فالاجتماع الإنساني أمر طبيعي لدفع العدوان على الإنسان وللحصول على أساسيات العيش ومتطلبات الحياة.
يقول مؤسس علم الاجتماع عبد الرحمن بن خلدون في ذلك : إن قدرة الواحد من البشر قاصرة عن تحصيل حاجته من الغذاء، والواحد من البشر لا تقاوم قدرته قدرة واحدة من الحيوانات العجم سيما المفترسة منها. فلابد في ذلك كله من التعاون عليه بأبناء جنسه (عبدا لرحمن بن خلدون، ص46),
ولكن،هل يتطلب ذلك التعاون حداً أدنى من معايير سلوكية مشتركة ؟ وهل هناك بالضرورة قدر من الاتفاق على سلوكيات ومعايير محددة لانجاز ذلك التعاون ؟ والى أي مدى تتحكم تلك الحدود بسلوك الأفراد ؟
في الواقع هناك من يعتقد إن الحياة الاجتماعية تستند في قيامها على وجود قدر من الاتفاق حول بعض القيم والأفكار المشتركة. لذلك فان أفراد المجتمع يتفقون على مستويات مشتركة للسلوك، ومن ثم فان اختيار الفرد لسلوك معين لابد أن يكون محكوماً بتلك المستويات. لذا فان الكائن الحي في ظل الظروف الاعتيادية يسلك سلوكاً يستجيب به طبقاً لتوقعه لسلوك الآخرين مع وجود درجة من الحرية للانتقاء بين بدائل القيم وممكنات السلوك (محمد عاطف غيث، صص135-137).
وكان ماكس فيبر (M.Weber) قد أسهم إسهاما كبيراً في إبراز الدور الذي تمارسه القيم في الحياة الاجتماعية من خلال اهتمامه بالتحليل السوسيولوجي للفعل الإنساني والسلوك الاجتماعي، إذ أكد أن الاعتقاد بأفكار مشتركة لها أهمية كبرى في تشكيل شخصية أفراد المجتمع وتزويدهم بمفاهيم ومعانٍ وافتراضات يمكن بواسطتها أن يدركوا مواقفهم ويفهموها ويستجيبوا لها بطريقة مقبولة من المجتمع (Girth and Mills p63).
ولو شئنا ترجمة تلك الآراء في ضوء منطلقات السلوكية الاجتماعية (Social behaviorism) التي ترى (أن الفرد وتعامله مع الآخرين هو الوحدة الأساسية في التحليل السوسيولوجي)، واعتمدنا فكرة التحليل النسقي التي جاء بها تالكوت بارسونر (T. Parsons)، لوجدنا أن الفعل الاجتماعي يعني كل ضروب السلوك البشري التي تدفعها وتوجهها المعاني التي يكونها الفاعل عن العالم الخارجي. وهي معانٍ يضعها الفاعل ويستجيب لها في تفاعله مع الآخرين.
فالفعل البشري إذن ليس سلوكاً عشوائياً لا يمكن التنبؤ به، لان هناك قدراً من النظام في سلوك الفرد أو الجماعة, ومن ثم فان الفاعل قادر على ان يتنبأ بسلوكه وسلوك الآخرين من حوله على نحو دقيق.
وقد أكد بارسونز هذا المعنى عندما أشار إلى أن الأنماط الثقافية تعمل على تكوين انساق الفعل وبنائها لأنها تتخذ طابعاً بنائياً بطريقة معينة. لذلك فان الأنماط الثقافية تدفع الفاعل أو تجبره على أن يختار ضروباً من السلوك دون أخرى.
وليست هذه الأفكار حديثة في علم الاجتماع، فقد كان لها أساس في الفكر الفيبري (Weber)، فضلاً عن إن لها جذوراً في أفكار أميل دوركهايم وفي أفكار سيجموند فرويد – رغم اختلافاتهم - فالتصورات الجمعية أو الضمير الجمعي –حسب المنظور الدوركهايمي – ما هي الا قواعد وأنماط تمثل فعل الفرد الذي يخضع للقيود. كذلك فان الأنا الأعلى (Super ego) الذي يشكل الضمير الأخلاقي للشخصية –حسب الفكر الفرويدي- يتكون من الجزاءات والرموز ذات المعنى (جي روشيه، ص47).
وتمتد جذور تلك الأفكار إلى ابعد من ذلك. فها هو عبد الرحمن بن خلدون يقول :
((سيما الأفعال البشرية والحيوانات فان من جملة أسبابها في الشاهد التصور والإرادات، إذ لا يتم كون الفعل الا بإرادته والقصد إليه. والتصور والإرادات أمور نفسانية ناشئة في الغالب عن تصورات سابقة يتلو بعضها بعضاً.
وتلك التصورات هي أسباب قصد الفعل))(عبد الرحمن بن خلدون،صص507-508).
إذن فالفعل البشري ولاسيما في بعده الاجتماعي ليس فعلاً عشوائياً. بل هو فعل يستند إلى قواعد ومعايير وأنماط تمنحه إطارا متسقاً اى حد يسمح للآخرين أن يتنبئوا به.
ثانياً : نسق الفعل ِAction system
يرى ماكس فيبر أن الموضوع الأساسي لعلم الاجتماع هو الفعل الاجتماعي. وان الفعل يصبح اجتماعياً عندما يرتبط معناه الذاتي بسلوك الأفراد الآخرين ويكون موجهاً نحو سلوكهم.
ولكي نفهم الفعل الاجتماعي لابد من فهم معناه على مستويين، مستوى معنى الفعل من وجهة نظر الفرد نفسه، ومستوى معناه بين جماعات الإفراد.
ففي المستوى الأول (المستوى الفردي) لابد من النظر إلى دوافع الفرد ونياته واهتماماته والمعاني الذاتية التي يعطيها لأفعاله والتي تكمن خلف سلوكه.
وفي المستوى الثاني (المستوى الجمعي) لابد من النظر إلى النيات والدوافع والأسباب والاهتمامات التي تكمن وراء سلوك الجماعة (محمد عوض عبد السلام،صص 19-20).
إذن فالفعل يكون اجتماعياً في معناه الذاتي عندما يأخذ في حساباته سلوك الآخرين ويكون موجهاً في حدوثه (Max Weber, p4).
ولان بارسونز قد تأثر كثيراً في بناء نظريته عن الفعل الاجتماعي بأفكار فيبر، فقد عرف الفعل الاجتماعي بأنه (كل ضروب السلوك البشري التي توجهها المعاني التي يكونها الفاعل عن العالم الخارجي).
فالفعل الاجتماعي إذن يتطلب شروطاً ثلاثة :المشاعر والأفكار والدوافع التي تشكل أفعال الفاعل، ثم إدراك الفاعل للبيئة الخارجية، ثم ردود أفعال الآخرين تجاه هذه الأفعال (جي روشيه، صص63-64).
وهنا لابد من الإشارة إلى أن مصطلح النسق (SYSTEM) في علم الاجتماع إنما يستخدم للإشارة إلى(أية وحدة تنظيمية تؤدي وظيفة في المجتمع). ولان النسق بمعناه العام ما هو الا مجموعة من الكيانات (ANTITIES) وعلاقات تربط بين تلك الكيانات، فان الفعل الاجتماعي لابد أن يكون نسقاً (System) لأنه يتضمن كيانات وعلاقات بين تلك الكيانات.
لقد افترض بارسونز إن الفعل البشري يكشف دائماً عن خصائص النسق لأنه منظم بطريقة كافية لتحليله بوصفه نسقاً.
إن نسق الفعل ليس شيئاً ملموساًَ كالأسرة أو المصنع. ولكنه أسلوب للصياغة التصويرية والتحليل. فهو كيان نظري يتكون من خلال التفاعل بين أعضاء جماعة معينة.ذلك إن أي فعل، وعلى أي مستوى من مستويات الواقع ن سواء كان سلوكاً بين فردين، أم صراعاً طبقياً أم خلافاً دولياً، يمكن تحليله كنسق، لان الفعل الإنساني في ظرفه التفاعلي يكشف دائماً عن خصائص النسق، وان عملية التفاعل تعكس صورة مصغرة للأنساق الاجتماعية.
وهذا يعني إن الفاعلين داخل النسق يمكن أن يكونوا جماعات أو تجمعات معينة مثل القرية أو الطبقة أو الأمة، ويمكن أن يكونوا إفرادا فقط. ولذا فان تطبيق نموذج التفاعل الذي قدمه بارسونز لا يرتبط بمستوى العلاقات بين الإفراد فحسب، ولكنه يمتد كل مستويات الواقع الاجتماعي كلها.
ولكن كيف ينظر بارسونز لنسق الفعل من الوجهة التحليلية ؟
يرى بارسونز أن نسق الفعل يمكن أن يتحلل ليتكون في أربعة انساق فرعية هي(النسق الثقافي والنسق الاجتماعي ونسق الشخصية ونسق الكائن العضوي).
فالنسق الثقافي،يشتمل على المعتقدات والقيم والوسائل الرمزية للاتصالات بين الأفراد والقوانين والتكنولوجيا والمعارف العلمية. أما النسق الاجتماعي فيشير إلى إشكال وأنواع التفاعلات والتنظيمات الاجتماعية المستندة إلى فهم مشترك للرموز الثقافية التي يتضمنها هذا النسق. ويعني نسق الشخصية بنواحي الشخصية الإنسانية التي تؤثر في الوظائف الاجتماعية للفرد، أي مظهر الكائن الحي بوصفه ممثلاً (Actor). وهو عبارة عن نسق للصفات أو السمات الخاصة بالفرد مثل ميوله واتجاهاته وحاجاته. في حين يكشف نسق الكائن العضوي عن المتغيرات البيولوجية والفيزيقية للكائن العضوي مثل غرائزه ودوافعه وغير ذلك من العمليات البيولوجية (محمد عوض عبد السلام،57-62. وانظر كذلك محمد الغريب عبدا لكريم، صص 106-119).
ثالثاً : بيئة النسق
يقول بارسونز أن لكل نسق بيئته. وبيئة أي نسق من الأنساق الفرعية تتكون من الأنساق الثلاثة الأخرى. ومن ثم فان أي نسق فرعي يتفاعل ويتبادل العلاقات مع الأنساق الأخرى كلها. فهناك شبكة من الاعتماد المتبادل بين الأنساق الأربعة،رغم أن كل نسق من تلك الأنساق يبقى محتفظاً بدرجة من الاستقلال، تمكن الباحث على المستوى التحليلي من تمييزه عن الأنساق الأخرى.
ولو شئنا تغيير مستوى التحليل من مستوى الفعل الاجتماعي إلى مستوى المجتمع واتخذنا المجتمع وحده للتحليل، سنجد أن الأنساق الفرعية وتبادل العلاقات بينها في المجتمع تبدو على هيئة (نسق اقتصادي، نسق سياسي، نسق التنشئة الاجتماعية، ونسق مجموعة الروابط المجتمعية). ويمكن أن تتوضح لنا تلك الصورة من خلال الرسوم والمخططات التالية:
مخطط رقم (1)
مستويات تجريدية في انساق الفعل
النسق العضوي نسق الشخصية A
G الكائن العضوي القائم بالسلوك الشخصية A
G اقتصاد سياسة G
نسق الثقافة النسق الاجتماعي L
I الثقافة المجتمع L
I نفس اجتماعي و انثروبولوجي اجتماع و قانون I
الأنساق الفرعية لنسق الفعل مفاهيم تشير إلى واقع ملموس علوم مجتمعية
مخطط رقم (2)
A التكيف تحقيق الهدف G
L المحافظة على النمط التكامل I
مخطط رقم (3)
A التكيف بين البيئة الداخلية والخارجية وتعبئة الموارد من البيئة الخارجية تحديد وترتيب وتقييم الأهداف G
L صيانة الأنماط وأخفاء التوتر التكيف مع البيئة الداخلية والمحافظةعلى العلاقات بين الأجزاء المختلفة داخل النظام I
وظائف النظرية العامة للفعل
1- النسق العضوي ينظم العلاقات مع العالم الفيزيقي ويتكيف مع البيئة
2- نسق الشخصية : يحدد أهداف النسق
3- النسق الاجتماعي : يحدد التضامن ويولد مصادر الولاء ويحدد معالم السلوك السوي ويفرض الضوابط
4-نسق الثقافية : يزود الفاعلين بالدافعية من خلال المعايير والقيم والإيديولوجيات ويفرضها عليهم
المصدر : التخطيطات مأخوذة عن (جي روشيه) وعن مصادر أخرى
رابعاً : بناء الفعل الاجتماعي :
ترتكز نظرية بارسونز في بناء الفعل على العناصر الأساسية الآتية :
1-الفاعل Actor :
وهو الشخص الذي يحدد أهدافا ويصطنع وسائل لبلوغ تلك الأهداف. ود يكون الفاعل فرداً أو جماعة أو مجتمعاً كاملاً.
2-الموقف Situation :
يعني الظرف الذي يكون فيه الفاعل ملزماً باتخاذ قرار يختار بموجبه بين ادوار يقوم بها من دون الأخرى.
ويتكون الموقف من الموضوعات الفيزيقية والاجتماعية التي ترتبط بها الفاعل، إذ يشتمل الموقف على مجموعة من المتغيرات الكامنة وغير الكامنة (مادية وغير مادية) وعلى الرموز Symbols التي يرتبط من خلالها الفاعل بالعناصر المختلفة داخل الموقف وما يحويه من معانٍ. وكذلك يشتمل موقف على القواعد rules والمعايير norms والقيم values التي تتحكم في توجيه الفاعل. فضلاً عن الأنماط المتوقعة من السلوك. ويرتبط تأثير تلك العوامل الموقفية في تحديد الأهداف وفي اختيار الوسائل المناسبة لبلوغها.
3- موجهات الفاعل Actor orientation :
إن عملية اختيار الفرد لدور دون آخر (ضمن الموقف) تحدد بموجب مجموعة من التوجهات، هي :
أ-توجهات دافعية : أي التوجهات التي تتحكم بها العوامل الغائية أو النفعية (Utilitarianism). وهي الموجهات التي ترتبط بالثواب والعقاب أو بالإشباع والحرمان الفعليين والممكنين لاحتياجات الفاعل.
ب-توجهات قيمية : أي الموجهات العقلانية (Rationality) أو الموجهات التي تتعلق بالمعايير الثقافية التي تحكم الفاعل وتمثل تأثير التوقعات الاجتماعية على تعريف الفاعل للموقف. (جي روشيه،صص68-69، وانظر كذلك محمد عوض عبد السلام،صص 108-105).
4-الفعل الاجتماعي Social action
وهو الوحدة الأساسية في التحليل وفي السلوك البشري. إن تحليل الفعل الاجتماعي لابد أن يتم في ضوء ثنائية (الفعل-الموقف) التي تضم بيئة الفاعل بوصفها جزءاً من ذلك الموقف فضلاً عن الموضوعات الاجتماعية. فالفاعل هو كائن يعيش موقفاً being in a Situation. بمعنى وجود عدد من المؤثرات المنظمة الداخلية والخارجية التي تؤثر في الفاعل في لحظة معينة، لذلك فان السلوك يختلف باختلاف المواقف الاجتماعية (جي روشيه،ص64).
أن بيئة الفاعل لا تعني البيئة الفيزيقية المحيطة بالفاعل فقط، بل تضم أيضا جهازه العضوي البيولوجي، فضلاً على أن الموضوعات الاجتماعية التي تضم الفاعلين الآخرين، تشمل أيضا فئة أخرى من الموضوعات لها أهمية بالغة في نسق الفعل، وهي الموضوعات الثقافية والرمزية.
فالفعل الاجتماعي لابد أن يتضمن بالضرورة جانباً رمزياً ما دام فعلاً ذا معنى. وهذا الجانب الرمزي لا يعمل على تحقيق الاتصال بين الفاعلين فقط، بل يسهم في خلق قواعد السلوك والمعايير والقيم التي تقود الفاعل في توجهاته لفعله.
وهنا لابد أن نذكر القارئ مرة أخرى بأن الفاعل الذي تحدث عنه بارسونز يمكن أن يكون فرداً أو جماعة أو تنظيماً أو إقليما أو مجتمعاً كبيراً أو حضارة كاملة أو أي كيان آخر، يمكن أن يفسر سلوكه في ضوء المعايير التي يشتعل عليها فعله.
إن كل الأفعال يمكن النظر إليها على إنها مركبة من وحدات صغرى للسلوك (Unit act) تضم فاعلاً أو أكثر ويمكن تجزئة تلك الأفعال إلى الإيماءات والكلمات ومظاهر الأداء الأخرى. أما إذا نظرنا إلى الأفعال نظرة كلية شمولية فإنها يمكن أن تكون في سبيل المثال سلسلة من التفاعل بين فردين أو أكثر أو تشكل دوراً اجتماعياً. ولذلك فان أي فعل يمكن النظر إليه بوصفه مركباً من الوحدات السلوك الصغرى أو هو عنصر من تركيب اشمل، وان أي مركب في السلوك يمكن التعامل معه بوصفه نسقاً للفعل.
لقد انطلق بارسونز في تحليله للعلاقات – شأنه في ذلك شأن علماء الاجتماع الأمريكان- من مفهوم الدور Role. وقد نظر بارسونز إلى مكونات الأدوار على أنها عناصر ثلاثة هي :
التوقعات والجزاءات والمعايير. فالتفاعل الاجتماعي يجب أن يتضمن توقعات متبادلة بين الفاعلين. والفاعل (الطرف الأول في التفاعل وهو الأنا ego) يتوقع من الفاعل الأخر أو الفاعلين الآخرين (وهو الطرف الثاني في التفاعل أي الآخر Alter) أن يسلكوا بطريقة معينة واضعاً في حساباته ظروفهم المشتركة والعلاقة التي تربط بينهما.
وبإزاء ذلك فان الأنا يعرف أن الآخر يكَون توقعات خاصة به عن الموقف نفسه. ولابد أن يتضمن الموقف معايير معينة. إذ يجب أن توجد مجموعة من المعايير والقيم تحكم سلوك الفاعلين أو يفترض أن تحكمه. ومن دون شك فان التوقعات المتبادلة توجد بوجود القيم والمعايير (إرث ثقافي). وليس مهماً أن يعتمد الأنا والآخر في تكوين توقعاتهما على المعايير نفسها أو أن يعتمدا على معايير مختلفة، ولكن الشيء الأساسي أن الأنا يعرف ما هي المعايير التي تحكم سلوك الآخر, كما إن الآخر يعرف المعايير التي تحكم السلوك الأنا, عند ذلك يمكن لكل منهما أن يكون لنفسه توقعاً معيناً عن سلوك الطرف الثاني, ويستطيع بذلك، من خلال قواعد السلوك المعروفة، أن يتنبأ بما يجب أن يفعله الطرف الثاني في موقف معين. أما الجزاءات فإنها تمثل عنصراً ثالثاً في عملية التفاعل، فألانا والطرف الآخر يكافئ أو يعاقب أحداهما الآخر طبقاً لتوافق أي منهم مع التوقعات المتبادلة أو عدم توافقه (جي روشيه، صص 71-73).
خلاصة القول إن أي نسق اجتماعي أو فعل اجتماعي يمكن أن يخضع للتحليل النسقي إلى وحدات سلوكية فرعية, لان وحدة السلوك (Act unit) تعني سلوكاً فعلياً ملموساً, وهي الصورة المصغرة للفعل الاجتماعي, ومن ثم للنسق الاجتماعي, وهي(الفاعل - فرد, جماعة, مجتمع-، والموقف - الوسائل والشروط أو الظروف المحيطة-، والمعايير الرمزية, ثم الهدف). ومن ترابط هذه الوحدات المختلفة يتكون الفعل الاجتماعي وتتشكل الأنساق المجتمعية التي يتجه كل منهما نحو تحقيق غاية معينة تسهم في استمرارية المجتمع.
خامساً : في نقد النظرية
إن من ابرز الانتقادات التي تعرضت لها نظرية بارسونز هي تلك التي تركزت حول موقف النظرية من ظواهر الصراع والتغير والانحراف ذاك أنها لم توفق نهائياً في معالجة تلك المقولات بسبب سيطرة فكرة المحافظة على النظام،وتحقيق التوافق على اهتماماتها بدرجة عالية.
إن الحفاظ على التوازن - مثلما ترى النظرية - يمكن تحقيقه عن طريق وجود معايير وقيم عامة تشترك فيها الغالبية العظمى من الناس في المجتمع.
فضلاً عن أن استمرار التوازن داخل النسق لا يمثل مشكلة, لان ذلك يتحقق بفعل قانون شبيه بقانون القصور الذاتي في العلوم الطبيعية.
ولما كانت غاية النسق الأساسية تحقيق الاستقرار والتكامل فانه يترتب على ذلك أن كل ما من شأنه أن يعوق هذه الغاية سيصبح بالضرورة معوقاً وظيفياً وخروجاً على متطلبات النسق ويشكل انحرافاً عن بنائه المعياري.
لقد اهتم بارسونز بثوابت النسق ولم يهتم بالجوانب المتغيرة مشيراً إلى أن الخاصية العامة والأساسية لكل نسق اجتماعي إنما تتركز في تساند مكوناته التي تناهض عشوائية القابلية للتغاير Variability، ولهذا السبب كانت فكرة التوازن فكرة محوريه في نظرية بارسونز، فهو يربط مفهوم التوازن بتناغم مكونات النسق تارة، وبمفهوم التكامل integration تارة أخرى. ويربطها بالنظام العام Order كذلك.
لقد رأى بارسونز إن النسق يعمل على مواجهة أي اتجاه نحو الانحراف بواسطة ميكانزمات الضبط. وبكلام أوضح فان أي تقاطع سلوكي يعد انحرافاً سلوكياً يحتاج إلى علاج, لان الانحرافات السلوكية ما هي إلا أمراض اجتماعية.
إن المرض كما يعنيه بارسونز يشتمل على الصراعات الاجتماعية والطبقية كلها أيضا. أما العلاجات التي قدمها بارسونز لتلك الانحرافات،فتتمثل بـعمليات (العزل, الاحتواء, إعادة التنشئة).
لقد حاول بارسونز أن يجد مكاناً للصراع داخل النسق بعد الانتقادات الكثيرة التي تعرض لها, فشرع بتعريف الطبقة على أساس قرابي أولا معترفاً بوجود مظهر تنافسي داخل النسق يتيح للإفراد التزاحم والمنافسة مقراً بان تعارض المشاعر والمصالح بين من هم في السلطة ويملكونها وبين من هم خارجها ويخضعون لها يسبب الصراع – الذي أطلق عليه تعبير المرض – غير انه كان يعني بتعبير المرض وجود إمكانيات لعلاجه عن طر يق المتطلبات الوظيفية للنسق والجوانب المعيارية في داخله (8: 164 – 168).
تـطوير نـموذج نـظري في علم الاجتماع(2/1)
د. كامل جاسم المراياتي
(خاص للمعهد)
المقدمة:
لم تكن سنوات النصف الثاني من القرن الماضي سنوات اعتيادية بالنسبة لعلم الاجتماع. فقد شهدت أحداثا سياسية وإرهاصات اجتماعية كان لها صداها العميق على الأفكار النظرية والأسس التقليدية لعلم الاجتماع.
فإذا كانت أحداث الطلبة في مايس 1968 وتنامي مظاهر المعارضة في المجتمعات الصناعية الغربية قد هزت بعنف نظريات علم الاجتماع السياسي ونماذجه. فان انهيار الاتحاد السوفيتي أواخر القرن الماضي واعتصام الطلبة في ساحة تيان آن مين في بكين قد أجبرت الكثير من معتنقي الأفكار الراديكالية على مراجعة أفكارهم بجدية طالما كان هناك متسع من الوقت لإعادة قراءة التاريخ وتقليب أوراق الفكر الاجتماعي على نحو جديد وإعادة تقويم كل ما كتب في علم الاجتماع الماركسي من نظريات وآراء وطرق بحث.
وبوجه عام، ليس بخافٍ على المتخصصين في هذا الحقل الأكاديمي إن اغلب ما صيغ من نظريات وآراء في حقل علم الاجتماع، ولاسيما خلال القرن المنصرم، إنما كان ذا مضامين أيديولوجية تبرر مصالح فئة أو طبقة معينة وتدافع عنها. ذلك إن علماء الاجتماع في تلك الحقبة الزمنية لم يكونوا في الواقع سوى منظرين للطبقات الحاكمة والمسيطرة، ولم تكن تنظيراتهم شاملة للنسيج الاجتماعي كله عدا استثناءات قليلة.
وربما نستطيع أن نضرب أمثلة واضحة على ذلك بآراء الاتجاهات المحافظة والمدرسة البنائية الوظيفية في علم الاجتماع ممثلة بأفكار راد كليف براون ومالينوفسكي أو تالكوت بارسونز من جهة أو برنشتاين أو نيقولا بوخارين من طرف آخر.
على إننا بوصفنا مفكرين عرباً، وان كنا بعيدين نسبياً عن حقل التنظير الاجتماعي خلال تلك المدة. مدعوين بالمقابل، وبحق، إلى الاطلاع على نظريات علم الاجتماع جميعها، يساراً ويميناً ووسطاً، والاستنارة بالتيارات النقدية حديثها وقديمها، ومراجعة أفكار المفكرين العرب وإعادة قراءة الفكر الإنساني قراءة جيدة لبناء علم اجتماع عربي شامل ودينامي ينطلق من الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في الوطن العربي وما تشتمل عليه تلك الظروف من علاقات اجتماعية جوهرية وثانوية وتكتلات فرعية.
وسنتوقف هنا مع واحدة من أشهر واكبر نظريات علم الاجتماع وان كانت نظرية متحيزة تمثل فكراً وظيفياً يهتم بدراسة الدور الذي يمارسه النظام في المحافظة على تماسك البناء الاجتماعي للمجتمع، بغية إعادة قراءتها بعين نقدية، الا وهي نظرية تالكوت في الفعل الاجتماعي.
المبحث الأول: في الفعل الاجتماعي
أولا : الاتفاق القيمي
لاشك إن الإنسان لا يستطيع العيش بمعزل عن الآخرين، وهذا ما اتفق عليه المفكرون الاجتماعيون كلهم، فالاجتماع الإنساني أمر طبيعي لدفع العدوان على الإنسان وللحصول على أساسيات العيش ومتطلبات الحياة.
يقول مؤسس علم الاجتماع عبد الرحمن بن خلدون في ذلك : إن قدرة الواحد من البشر قاصرة عن تحصيل حاجته من الغذاء، والواحد من البشر لا تقاوم قدرته قدرة واحدة من الحيوانات العجم سيما المفترسة منها. فلابد في ذلك كله من التعاون عليه بأبناء جنسه (عبدا لرحمن بن خلدون، ص46),
ولكن،هل يتطلب ذلك التعاون حداً أدنى من معايير سلوكية مشتركة ؟ وهل هناك بالضرورة قدر من الاتفاق على سلوكيات ومعايير محددة لانجاز ذلك التعاون ؟ والى أي مدى تتحكم تلك الحدود بسلوك الأفراد ؟
في الواقع هناك من يعتقد إن الحياة الاجتماعية تستند في قيامها على وجود قدر من الاتفاق حول بعض القيم والأفكار المشتركة. لذلك فان أفراد المجتمع يتفقون على مستويات مشتركة للسلوك، ومن ثم فان اختيار الفرد لسلوك معين لابد أن يكون محكوماً بتلك المستويات. لذا فان الكائن الحي في ظل الظروف الاعتيادية يسلك سلوكاً يستجيب به طبقاً لتوقعه لسلوك الآخرين مع وجود درجة من الحرية للانتقاء بين بدائل القيم وممكنات السلوك (محمد عاطف غيث، صص135-137).
وكان ماكس فيبر (M.Weber) قد أسهم إسهاما كبيراً في إبراز الدور الذي تمارسه القيم في الحياة الاجتماعية من خلال اهتمامه بالتحليل السوسيولوجي للفعل الإنساني والسلوك الاجتماعي، إذ أكد أن الاعتقاد بأفكار مشتركة لها أهمية كبرى في تشكيل شخصية أفراد المجتمع وتزويدهم بمفاهيم ومعانٍ وافتراضات يمكن بواسطتها أن يدركوا مواقفهم ويفهموها ويستجيبوا لها بطريقة مقبولة من المجتمع (Girth and Mills p63).
ولو شئنا ترجمة تلك الآراء في ضوء منطلقات السلوكية الاجتماعية (Social behaviorism) التي ترى (أن الفرد وتعامله مع الآخرين هو الوحدة الأساسية في التحليل السوسيولوجي)، واعتمدنا فكرة التحليل النسقي التي جاء بها تالكوت بارسونر (T. Parsons)، لوجدنا أن الفعل الاجتماعي يعني كل ضروب السلوك البشري التي تدفعها وتوجهها المعاني التي يكونها الفاعل عن العالم الخارجي. وهي معانٍ يضعها الفاعل ويستجيب لها في تفاعله مع الآخرين.
فالفعل البشري إذن ليس سلوكاً عشوائياً لا يمكن التنبؤ به، لان هناك قدراً من النظام في سلوك الفرد أو الجماعة, ومن ثم فان الفاعل قادر على ان يتنبأ بسلوكه وسلوك الآخرين من حوله على نحو دقيق.
وقد أكد بارسونز هذا المعنى عندما أشار إلى أن الأنماط الثقافية تعمل على تكوين انساق الفعل وبنائها لأنها تتخذ طابعاً بنائياً بطريقة معينة. لذلك فان الأنماط الثقافية تدفع الفاعل أو تجبره على أن يختار ضروباً من السلوك دون أخرى.
وليست هذه الأفكار حديثة في علم الاجتماع، فقد كان لها أساس في الفكر الفيبري (Weber)، فضلاً عن إن لها جذوراً في أفكار أميل دوركهايم وفي أفكار سيجموند فرويد – رغم اختلافاتهم - فالتصورات الجمعية أو الضمير الجمعي –حسب المنظور الدوركهايمي – ما هي الا قواعد وأنماط تمثل فعل الفرد الذي يخضع للقيود. كذلك فان الأنا الأعلى (Super ego) الذي يشكل الضمير الأخلاقي للشخصية –حسب الفكر الفرويدي- يتكون من الجزاءات والرموز ذات المعنى (جي روشيه، ص47).
وتمتد جذور تلك الأفكار إلى ابعد من ذلك. فها هو عبد الرحمن بن خلدون يقول :
((سيما الأفعال البشرية والحيوانات فان من جملة أسبابها في الشاهد التصور والإرادات، إذ لا يتم كون الفعل الا بإرادته والقصد إليه. والتصور والإرادات أمور نفسانية ناشئة في الغالب عن تصورات سابقة يتلو بعضها بعضاً.
وتلك التصورات هي أسباب قصد الفعل))(عبد الرحمن بن خلدون،صص507-508).
إذن فالفعل البشري ولاسيما في بعده الاجتماعي ليس فعلاً عشوائياً. بل هو فعل يستند إلى قواعد ومعايير وأنماط تمنحه إطارا متسقاً اى حد يسمح للآخرين أن يتنبئوا به.
ثانياً : نسق الفعل ِAction system
يرى ماكس فيبر أن الموضوع الأساسي لعلم الاجتماع هو الفعل الاجتماعي. وان الفعل يصبح اجتماعياً عندما يرتبط معناه الذاتي بسلوك الأفراد الآخرين ويكون موجهاً نحو سلوكهم.
ولكي نفهم الفعل الاجتماعي لابد من فهم معناه على مستويين، مستوى معنى الفعل من وجهة نظر الفرد نفسه، ومستوى معناه بين جماعات الإفراد.
ففي المستوى الأول (المستوى الفردي) لابد من النظر إلى دوافع الفرد ونياته واهتماماته والمعاني الذاتية التي يعطيها لأفعاله والتي تكمن خلف سلوكه.
وفي المستوى الثاني (المستوى الجمعي) لابد من النظر إلى النيات والدوافع والأسباب والاهتمامات التي تكمن وراء سلوك الجماعة (محمد عوض عبد السلام،صص 19-20).
إذن فالفعل يكون اجتماعياً في معناه الذاتي عندما يأخذ في حساباته سلوك الآخرين ويكون موجهاً في حدوثه (Max Weber, p4).
ولان بارسونز قد تأثر كثيراً في بناء نظريته عن الفعل الاجتماعي بأفكار فيبر، فقد عرف الفعل الاجتماعي بأنه (كل ضروب السلوك البشري التي توجهها المعاني التي يكونها الفاعل عن العالم الخارجي).
فالفعل الاجتماعي إذن يتطلب شروطاً ثلاثة :المشاعر والأفكار والدوافع التي تشكل أفعال الفاعل، ثم إدراك الفاعل للبيئة الخارجية، ثم ردود أفعال الآخرين تجاه هذه الأفعال (جي روشيه، صص63-64).
وهنا لابد من الإشارة إلى أن مصطلح النسق (SYSTEM) في علم الاجتماع إنما يستخدم للإشارة إلى(أية وحدة تنظيمية تؤدي وظيفة في المجتمع). ولان النسق بمعناه العام ما هو الا مجموعة من الكيانات (ANTITIES) وعلاقات تربط بين تلك الكيانات، فان الفعل الاجتماعي لابد أن يكون نسقاً (System) لأنه يتضمن كيانات وعلاقات بين تلك الكيانات.
لقد افترض بارسونز إن الفعل البشري يكشف دائماً عن خصائص النسق لأنه منظم بطريقة كافية لتحليله بوصفه نسقاً.
إن نسق الفعل ليس شيئاً ملموساًَ كالأسرة أو المصنع. ولكنه أسلوب للصياغة التصويرية والتحليل. فهو كيان نظري يتكون من خلال التفاعل بين أعضاء جماعة معينة.ذلك إن أي فعل، وعلى أي مستوى من مستويات الواقع ن سواء كان سلوكاً بين فردين، أم صراعاً طبقياً أم خلافاً دولياً، يمكن تحليله كنسق، لان الفعل الإنساني في ظرفه التفاعلي يكشف دائماً عن خصائص النسق، وان عملية التفاعل تعكس صورة مصغرة للأنساق الاجتماعية.
وهذا يعني إن الفاعلين داخل النسق يمكن أن يكونوا جماعات أو تجمعات معينة مثل القرية أو الطبقة أو الأمة، ويمكن أن يكونوا إفرادا فقط. ولذا فان تطبيق نموذج التفاعل الذي قدمه بارسونز لا يرتبط بمستوى العلاقات بين الإفراد فحسب، ولكنه يمتد كل مستويات الواقع الاجتماعي كلها.
ولكن كيف ينظر بارسونز لنسق الفعل من الوجهة التحليلية ؟
يرى بارسونز أن نسق الفعل يمكن أن يتحلل ليتكون في أربعة انساق فرعية هي(النسق الثقافي والنسق الاجتماعي ونسق الشخصية ونسق الكائن العضوي).
فالنسق الثقافي،يشتمل على المعتقدات والقيم والوسائل الرمزية للاتصالات بين الأفراد والقوانين والتكنولوجيا والمعارف العلمية. أما النسق الاجتماعي فيشير إلى إشكال وأنواع التفاعلات والتنظيمات الاجتماعية المستندة إلى فهم مشترك للرموز الثقافية التي يتضمنها هذا النسق. ويعني نسق الشخصية بنواحي الشخصية الإنسانية التي تؤثر في الوظائف الاجتماعية للفرد، أي مظهر الكائن الحي بوصفه ممثلاً (Actor). وهو عبارة عن نسق للصفات أو السمات الخاصة بالفرد مثل ميوله واتجاهاته وحاجاته. في حين يكشف نسق الكائن العضوي عن المتغيرات البيولوجية والفيزيقية للكائن العضوي مثل غرائزه ودوافعه وغير ذلك من العمليات البيولوجية (محمد عوض عبد السلام،57-62. وانظر كذلك محمد الغريب عبدا لكريم، صص 106-119).
ثالثاً : بيئة النسق
يقول بارسونز أن لكل نسق بيئته. وبيئة أي نسق من الأنساق الفرعية تتكون من الأنساق الثلاثة الأخرى. ومن ثم فان أي نسق فرعي يتفاعل ويتبادل العلاقات مع الأنساق الأخرى كلها. فهناك شبكة من الاعتماد المتبادل بين الأنساق الأربعة،رغم أن كل نسق من تلك الأنساق يبقى محتفظاً بدرجة من الاستقلال، تمكن الباحث على المستوى التحليلي من تمييزه عن الأنساق الأخرى.
ولو شئنا تغيير مستوى التحليل من مستوى الفعل الاجتماعي إلى مستوى المجتمع واتخذنا المجتمع وحده للتحليل، سنجد أن الأنساق الفرعية وتبادل العلاقات بينها في المجتمع تبدو على هيئة (نسق اقتصادي، نسق سياسي، نسق التنشئة الاجتماعية، ونسق مجموعة الروابط المجتمعية). ويمكن أن تتوضح لنا تلك الصورة من خلال الرسوم والمخططات التالية:
مخطط رقم (1)
مستويات تجريدية في انساق الفعل
النسق العضوي نسق الشخصية A
G الكائن العضوي القائم بالسلوك الشخصية A
G اقتصاد سياسة G
نسق الثقافة النسق الاجتماعي L
I الثقافة المجتمع L
I نفس اجتماعي و انثروبولوجي اجتماع و قانون I
الأنساق الفرعية لنسق الفعل مفاهيم تشير إلى واقع ملموس علوم مجتمعية
مخطط رقم (2)
A التكيف تحقيق الهدف G
L المحافظة على النمط التكامل I
مخطط رقم (3)
A التكيف بين البيئة الداخلية والخارجية وتعبئة الموارد من البيئة الخارجية تحديد وترتيب وتقييم الأهداف G
L صيانة الأنماط وأخفاء التوتر التكيف مع البيئة الداخلية والمحافظةعلى العلاقات بين الأجزاء المختلفة داخل النظام I
وظائف النظرية العامة للفعل
1- النسق العضوي ينظم العلاقات مع العالم الفيزيقي ويتكيف مع البيئة
2- نسق الشخصية : يحدد أهداف النسق
3- النسق الاجتماعي : يحدد التضامن ويولد مصادر الولاء ويحدد معالم السلوك السوي ويفرض الضوابط
4-نسق الثقافية : يزود الفاعلين بالدافعية من خلال المعايير والقيم والإيديولوجيات ويفرضها عليهم
المصدر : التخطيطات مأخوذة عن (جي روشيه) وعن مصادر أخرى
رابعاً : بناء الفعل الاجتماعي :
ترتكز نظرية بارسونز في بناء الفعل على العناصر الأساسية الآتية :
1-الفاعل Actor :
وهو الشخص الذي يحدد أهدافا ويصطنع وسائل لبلوغ تلك الأهداف. ود يكون الفاعل فرداً أو جماعة أو مجتمعاً كاملاً.
2-الموقف Situation :
يعني الظرف الذي يكون فيه الفاعل ملزماً باتخاذ قرار يختار بموجبه بين ادوار يقوم بها من دون الأخرى.
ويتكون الموقف من الموضوعات الفيزيقية والاجتماعية التي ترتبط بها الفاعل، إذ يشتمل الموقف على مجموعة من المتغيرات الكامنة وغير الكامنة (مادية وغير مادية) وعلى الرموز Symbols التي يرتبط من خلالها الفاعل بالعناصر المختلفة داخل الموقف وما يحويه من معانٍ. وكذلك يشتمل موقف على القواعد rules والمعايير norms والقيم values التي تتحكم في توجيه الفاعل. فضلاً عن الأنماط المتوقعة من السلوك. ويرتبط تأثير تلك العوامل الموقفية في تحديد الأهداف وفي اختيار الوسائل المناسبة لبلوغها.
3- موجهات الفاعل Actor orientation :
إن عملية اختيار الفرد لدور دون آخر (ضمن الموقف) تحدد بموجب مجموعة من التوجهات، هي :
أ-توجهات دافعية : أي التوجهات التي تتحكم بها العوامل الغائية أو النفعية (Utilitarianism). وهي الموجهات التي ترتبط بالثواب والعقاب أو بالإشباع والحرمان الفعليين والممكنين لاحتياجات الفاعل.
ب-توجهات قيمية : أي الموجهات العقلانية (Rationality) أو الموجهات التي تتعلق بالمعايير الثقافية التي تحكم الفاعل وتمثل تأثير التوقعات الاجتماعية على تعريف الفاعل للموقف. (جي روشيه،صص68-69، وانظر كذلك محمد عوض عبد السلام،صص 108-105).
4-الفعل الاجتماعي Social action
وهو الوحدة الأساسية في التحليل وفي السلوك البشري. إن تحليل الفعل الاجتماعي لابد أن يتم في ضوء ثنائية (الفعل-الموقف) التي تضم بيئة الفاعل بوصفها جزءاً من ذلك الموقف فضلاً عن الموضوعات الاجتماعية. فالفاعل هو كائن يعيش موقفاً being in a Situation. بمعنى وجود عدد من المؤثرات المنظمة الداخلية والخارجية التي تؤثر في الفاعل في لحظة معينة، لذلك فان السلوك يختلف باختلاف المواقف الاجتماعية (جي روشيه،ص64).
أن بيئة الفاعل لا تعني البيئة الفيزيقية المحيطة بالفاعل فقط، بل تضم أيضا جهازه العضوي البيولوجي، فضلاً على أن الموضوعات الاجتماعية التي تضم الفاعلين الآخرين، تشمل أيضا فئة أخرى من الموضوعات لها أهمية بالغة في نسق الفعل، وهي الموضوعات الثقافية والرمزية.
فالفعل الاجتماعي لابد أن يتضمن بالضرورة جانباً رمزياً ما دام فعلاً ذا معنى. وهذا الجانب الرمزي لا يعمل على تحقيق الاتصال بين الفاعلين فقط، بل يسهم في خلق قواعد السلوك والمعايير والقيم التي تقود الفاعل في توجهاته لفعله.
وهنا لابد أن نذكر القارئ مرة أخرى بأن الفاعل الذي تحدث عنه بارسونز يمكن أن يكون فرداً أو جماعة أو تنظيماً أو إقليما أو مجتمعاً كبيراً أو حضارة كاملة أو أي كيان آخر، يمكن أن يفسر سلوكه في ضوء المعايير التي يشتعل عليها فعله.
إن كل الأفعال يمكن النظر إليها على إنها مركبة من وحدات صغرى للسلوك (Unit act) تضم فاعلاً أو أكثر ويمكن تجزئة تلك الأفعال إلى الإيماءات والكلمات ومظاهر الأداء الأخرى. أما إذا نظرنا إلى الأفعال نظرة كلية شمولية فإنها يمكن أن تكون في سبيل المثال سلسلة من التفاعل بين فردين أو أكثر أو تشكل دوراً اجتماعياً. ولذلك فان أي فعل يمكن النظر إليه بوصفه مركباً من الوحدات السلوك الصغرى أو هو عنصر من تركيب اشمل، وان أي مركب في السلوك يمكن التعامل معه بوصفه نسقاً للفعل.
لقد انطلق بارسونز في تحليله للعلاقات – شأنه في ذلك شأن علماء الاجتماع الأمريكان- من مفهوم الدور Role. وقد نظر بارسونز إلى مكونات الأدوار على أنها عناصر ثلاثة هي :
التوقعات والجزاءات والمعايير. فالتفاعل الاجتماعي يجب أن يتضمن توقعات متبادلة بين الفاعلين. والفاعل (الطرف الأول في التفاعل وهو الأنا ego) يتوقع من الفاعل الأخر أو الفاعلين الآخرين (وهو الطرف الثاني في التفاعل أي الآخر Alter) أن يسلكوا بطريقة معينة واضعاً في حساباته ظروفهم المشتركة والعلاقة التي تربط بينهما.
وبإزاء ذلك فان الأنا يعرف أن الآخر يكَون توقعات خاصة به عن الموقف نفسه. ولابد أن يتضمن الموقف معايير معينة. إذ يجب أن توجد مجموعة من المعايير والقيم تحكم سلوك الفاعلين أو يفترض أن تحكمه. ومن دون شك فان التوقعات المتبادلة توجد بوجود القيم والمعايير (إرث ثقافي). وليس مهماً أن يعتمد الأنا والآخر في تكوين توقعاتهما على المعايير نفسها أو أن يعتمدا على معايير مختلفة، ولكن الشيء الأساسي أن الأنا يعرف ما هي المعايير التي تحكم سلوك الآخر, كما إن الآخر يعرف المعايير التي تحكم السلوك الأنا, عند ذلك يمكن لكل منهما أن يكون لنفسه توقعاً معيناً عن سلوك الطرف الثاني, ويستطيع بذلك، من خلال قواعد السلوك المعروفة، أن يتنبأ بما يجب أن يفعله الطرف الثاني في موقف معين. أما الجزاءات فإنها تمثل عنصراً ثالثاً في عملية التفاعل، فألانا والطرف الآخر يكافئ أو يعاقب أحداهما الآخر طبقاً لتوافق أي منهم مع التوقعات المتبادلة أو عدم توافقه (جي روشيه، صص 71-73).
خلاصة القول إن أي نسق اجتماعي أو فعل اجتماعي يمكن أن يخضع للتحليل النسقي إلى وحدات سلوكية فرعية, لان وحدة السلوك (Act unit) تعني سلوكاً فعلياً ملموساً, وهي الصورة المصغرة للفعل الاجتماعي, ومن ثم للنسق الاجتماعي, وهي(الفاعل - فرد, جماعة, مجتمع-، والموقف - الوسائل والشروط أو الظروف المحيطة-، والمعايير الرمزية, ثم الهدف). ومن ترابط هذه الوحدات المختلفة يتكون الفعل الاجتماعي وتتشكل الأنساق المجتمعية التي يتجه كل منهما نحو تحقيق غاية معينة تسهم في استمرارية المجتمع.
خامساً : في نقد النظرية
إن من ابرز الانتقادات التي تعرضت لها نظرية بارسونز هي تلك التي تركزت حول موقف النظرية من ظواهر الصراع والتغير والانحراف ذاك أنها لم توفق نهائياً في معالجة تلك المقولات بسبب سيطرة فكرة المحافظة على النظام،وتحقيق التوافق على اهتماماتها بدرجة عالية.
إن الحفاظ على التوازن - مثلما ترى النظرية - يمكن تحقيقه عن طريق وجود معايير وقيم عامة تشترك فيها الغالبية العظمى من الناس في المجتمع.
فضلاً عن أن استمرار التوازن داخل النسق لا يمثل مشكلة, لان ذلك يتحقق بفعل قانون شبيه بقانون القصور الذاتي في العلوم الطبيعية.
ولما كانت غاية النسق الأساسية تحقيق الاستقرار والتكامل فانه يترتب على ذلك أن كل ما من شأنه أن يعوق هذه الغاية سيصبح بالضرورة معوقاً وظيفياً وخروجاً على متطلبات النسق ويشكل انحرافاً عن بنائه المعياري.
لقد اهتم بارسونز بثوابت النسق ولم يهتم بالجوانب المتغيرة مشيراً إلى أن الخاصية العامة والأساسية لكل نسق اجتماعي إنما تتركز في تساند مكوناته التي تناهض عشوائية القابلية للتغاير Variability، ولهذا السبب كانت فكرة التوازن فكرة محوريه في نظرية بارسونز، فهو يربط مفهوم التوازن بتناغم مكونات النسق تارة، وبمفهوم التكامل integration تارة أخرى. ويربطها بالنظام العام Order كذلك.
لقد رأى بارسونز إن النسق يعمل على مواجهة أي اتجاه نحو الانحراف بواسطة ميكانزمات الضبط. وبكلام أوضح فان أي تقاطع سلوكي يعد انحرافاً سلوكياً يحتاج إلى علاج, لان الانحرافات السلوكية ما هي إلا أمراض اجتماعية.
إن المرض كما يعنيه بارسونز يشتمل على الصراعات الاجتماعية والطبقية كلها أيضا. أما العلاجات التي قدمها بارسونز لتلك الانحرافات،فتتمثل بـعمليات (العزل, الاحتواء, إعادة التنشئة).
لقد حاول بارسونز أن يجد مكاناً للصراع داخل النسق بعد الانتقادات الكثيرة التي تعرض لها, فشرع بتعريف الطبقة على أساس قرابي أولا معترفاً بوجود مظهر تنافسي داخل النسق يتيح للإفراد التزاحم والمنافسة مقراً بان تعارض المشاعر والمصالح بين من هم في السلطة ويملكونها وبين من هم خارجها ويخضعون لها يسبب الصراع – الذي أطلق عليه تعبير المرض – غير انه كان يعني بتعبير المرض وجود إمكانيات لعلاجه عن طر يق المتطلبات الوظيفية للنسق والجوانب المعيارية في داخله (8: 164 – 168).
jajay- سوسيولوجي مشارك
- عدد المساهمات : 74
تاريخ التسجيل : 01/12/2010
رد: نقد الفكر البارسوني 1
نقد الفكر البارسوني
في الصراع الاجتماعي(2/2)
د. كامل جاسم المراياتي
اولاً: الصراع بوصفه نسقاً اجتماعياً
يشكل الصراع - كما أسلفنا- نقطة ضعف في البناءات النظرية المحافظة وجداراً هشاً في الخطاب السوسيولوجي الوظيفي, الذي عرض تلك الأفكار إلى انتقادات لاذعة وهجمات عنيفة مما دفع الكثير من مناصري تلك المدرسة إلى تبني آراء تحد من ستاتيكية منظورها لتلافي بعض من تلك الانتقادات, فما كان من الوظيفيين إلا الاعتراف بتغيرات تدريجية يمكن أن تؤدي إلى إقلاق توازن النسق.
غير إنهم ربطوا تلك التغيرات بعوامل داخلية أكثر من ربطها بعوامل خارجية.( Walter Wallacs , pp 208-211).
وعلى الرغم من ذلك ظل الصراع بعيداً عن محاور الاهتمام في البناءات النظرية لتلك المدارس.
وعلى الضد من هذا الاتجاه نجد أن أفكار بعض منظري مدرسة الصراع أصرت على التعامل مع الصراع تعاملاً مركزياً فرأت في الصراع صورة لتاريخ البشرية, وهذا ما ذهب إليه كارل ماركس الذي وجد في الصراع شكلاً أساسيا لصراع الإنسان ونضاله في الوجود.
وإذا كان مفكرنا العربي ابن خلدون قد اختط نهجاً مقارباً قبل أن يولد كارل ماركس عندما ربط بين الصراع القائم على التناقض وتكوين العمران البشري واستمرار يته , فان آخرين رأوا أن قدراً من الصراع ضروري لاستمرار الجماعة بوصفها تنظيماً اجتماعياً. وهذا ما ذهب إليه لويس كوزر. أما (داهرندورف) فقد حاول أن يبعد الصراع عن الطبقة فادعى أن الصراع ما هو إلا صراع ضد السلطة.
وعلى الرغم مما يبدو من فروق بين المفكرين في تفسير ظاهرة الصراع، إلا إنهم متفقون على أن الصراع عملية اجتماعية لها ثقلها في الحياة الاجتماعية، وان كانت لها أشكال ووجوه متعددة، فهي تمط من أنماط التفاعل الاجتماعي ينشأ عن تعارض في المصالح. لذلك قد تنقلب المنافسة Competitative إلى شكل من إشكال الصراع ما لم توجد ضوابط تتحكم بعملية المنافسة.
ومن هنا فإن قدراً من التناغم والتوافق بين الأنساق الفرعية، وقدراً آخر من الاختلاف والتباين بموازاته ضروريان لمسيرة الحياة ولحركة المجتمع، وهو أمر ربما سنعود له لاحقاًَ لعلاقته الوثيقة بموضوعنا، ذلك أن اهتمامنا سينصب على محاولة فهم الصراع بوصفه نسقاً اجتماعياً فرعياً له دور فاعل في منظومة نسق الفعل.
فهل يمكن أن نتعامل مع الصراع بوصفه نسقاً اجتماعياًً؟ وإذا جاز لنا ذلك، فكيف تقف على تصرف الفاعلين في ميادين الصراع؟ ثم كيف يستقرى الخصمان خطط احدهما الآخر؟ وأخيرا ما دور عملية الصراع في المحافظة على توازن نسق المجتمع أو أرباك ذلك التوازن؟
يبدو أنه من العسير الإجابة عن هذه التساؤلات كلها من دون الإحاطة الكاملة بقوانين الصراع، ومن دون الاطلاع على ما يعتمل داخل النفس البشرية من صراع بين الحاجات والرغبات. غير إننا بداية يمكن أن نسترشد بمقولة من مقولات بارسونز لنشق طريقاً نحو مانسعى إليه، لاسيما وان بارسونز قد المح أن إطاره التصويري لا يتضح إلا من خلال البحث الامبريقي.
لقد أكد بارسونز في نظريته التي أسلفنا الحديث عنها، أن لأي نسق بيئة، وان بيئة أي نسق من الأنساق الفرعية الأربعة تتكون من الأنساق الثلاثة الأخرى.
ودعونا الآن نترك هذا جانباً - ولو بشكل مؤقت- لنسقرىء التفاعل الصراعي في المجتمع، ابتداء من اختلاف ثنائي (بين فردين dyadic) بوصفه ابسط شكل من إشكال التفاعل واصغر نسق اجتماعي تفاعلي.
من المؤكد أن الاختلاف بين فردين يمثل ظرفاً تفاعلياً ونسقاً يجد فيه الفاعل (Actor) نفسه أمام طرف آخر(Alter)، يسعى كل منهما للوصول إلى غاية مختلفة. ولذلك يجد الطرفان نفسيهما في ظرف تفاعلي أو(موقف صراعي) يسعى كل منهما للوصول إلى هدف محدد مختلف.
ولان عملية التفاعل في أي نسق اجتماعي عملية اجتماعية بالتأكيد، فلابد من أن تنطوي على قيم ومعايير وأهداف ودوافع، تؤثر بدورها على عملية التفاعل داخل النسق. وبهذا يجب أن نضع في الحسبان تأثير الأنساق الفرعية الأخرى والظروف المحيطة في التفاعل بين الطرفين (الخصمين).
وبتعبير آخر فان ما يحكم التفاعل السلوكي داخل النسق الصراعي ليس ظروف النسق الصراعي بمفردها. بل ظروفاً ومتغيرات عديدة بعضها داخلي يتعلق بالنسق ذاته وبالمتفاعلين أنفسهم. وبعضها خارجي يؤثر على مجريات الأمور في النسق الصراعي ذاته . فيصبح المتفاعلين (طرفا الخلاف) في موقف يضم عدداً من المتغيرات والعوامل المادية وغير المادية، فضلاً عن متغيرات أخرى ثقافية واجتماعية تمثل المعايير والأنماط والرموز الثقافية التي تؤثر في الموقف وتتحكم بسلوكية الفاعلين وتتحكم في اختياراتهم،(غائياً وعقلانياً Rationality and utilitarianism) للوسائل والأساليب والسلوكيات الملائمة من بين عدة بدائل وخيارات متاحة أمامهم، في ضوء ظروف الموقف ومتطلباته لتحقيق أهدافهم.
ومن الواضح أن الفاعل (أي طرف من إطراف الصراع) قبل اتخاذ القرار وقبل اختياره للسلوك الملائم من بين عدة بدائل، سيبذل نشاطاً عقلياً يحاول فيه أن يرسم خريطة معرفية للموقف الكلي وان يقوم الموقف ويتوقع سلوك الخصم ورود الأفعال المحتملة في ضوء تأثير الأنماط والرموز الثقافية والقواعد المعيارية التي تحدد وسائله وتحدد له ما هو عقلاني من سلوك وما هو غير عقلاني. (والعقلانية هنا لا تتطابق بالضرورة مع مفهوم العقل وأحكامه الذاتية).
ويبدو واضحاً أن هذا التصور الفكري ينطلق من افتراض إن النسق الاجتماعي للصراع لا يعمل إلا في سياق عرف موروث وتحت تأثير نسق ثقافي متعارف عليه، وان الفاعلين في نسق الصراع يشتركون في الاعتقاد بمعايير ومستويات وأساليب سلوكية مشتركة. ومن ثم برموز ثقافية مندمجة في ذواتهم، ولذلك فإنهم يفكرون على وفق تلك المعايير والمستويات والموجهات، ويتصرفون بنحو متشابه في المواقف المتشابهة.
غير أننا يجب أن نميز بين الأنماط المثالية المحددة بواسطة تلك الموجهات أو ما تسمى بالإرث الثقافي، وبين أنماط السلوك الفعلية إثناء التفاعل، ذلك أن الإفراد،- بل والفئات الاجتماعية والجماعات- في المجتمع الواحد يدمجون ويستوعبون تلك المثل والرموز الثقافية بنحو غير متساو وغير كامل. وهو ما يفسر اختلاف السلوكيات بين الإفراد أو بين الجماعات، ويفسر كذلك حدوث سلوكيات غير متوقعة أبدا، ولاسيما تلك التي تكون خارج التوقعات فتؤدي إلى تغيير مجرى الإحداث. ولنا أن نقارن ونميز بين الإيديولوجيات والأفكار الدينية وتطبيقات الإفراد الحياتية وتمثلانهم لتلك الأفكار.
ولو استثنيا تلك الحوادث النادرة الناتجة عن سلوكيات غير متوقعة تغير موازين القوى وتحدث انقلاباً إستراتيجيا في مفاهيم المواقف وأعرافها.(كما في بعض الحروب، عندما يتصرف بعض القادة تصرفاً غير متوقع إطلاقا فيغيرون بسلوكهم ذاك نتائج المعركة وحساباتها محدثين تحولاً إستراتيجيا في سجل الحروب ودروسه، فضلاً عن سلوك القادة الكارزمبين أو السلوك الكاريزمي)، فان خسارة طرف من إطراف الصراع إنما تعني في الواقع سوء تقدير للموقف الصراعي أو عدم استثمار آلياته بنحو سليم، أو إخفاق في بناء القرار على أسس سليمة من المعرفة السابقة لما يترتب على اتخاذ مثل ذلك القرار من نتائج.
ثانياً: محاولة لتجاوز الإشكالية البارسونية
لابد من القول ابتداءً ان الأفكار التي سنعرضها هنا ليست سوى أفكار اجتهادية أولية قابلة للتطور. ولذلك نأمل أن تخضع لنقاش المختصين ونقدهم البناء.
فضلا عن أن محاولة في تجاوز الإشكالية البارسونية ذاتها لا تعني إيماننا المطلق بشموليه الفكر البارسوني من جهة، ولا تتضمن الانتقاص من قيمة ذلك الفكر في علم الاجتماع من جهة ثانية. لذلك فان محاولتنا لا تتجاوز الاجتهاد الفكري النظري ليس إلا.
أن الفكر البارسوني - كما مر بنا- فكر ستاتيكي ذو منظر أحادي تبني توجهاً ليبرالياً محافظاً فأهمل عن قصد العوامل الدينامية في المجتمع. وحجم من أهميتها خدمة لمصالح نظام ليبرالي رأسمالي، لذلك رأى أن معظم وظائف الصراع هي وظائف سلبية وان أي خروج على القيم الاجتماعية يعد انحرافاً يستوجب تنشيط مصادر الضبط.
ولأننا نؤمن بدينامية البناء الاجتماعي وجدلية الحركة المجتمعية فإننا سنسعى في محاولتنا إلى تأكيد فاعلية عوامل الصراع الاجتماعي. بمعنى إننا نؤكد إن الخروج على القيم والمعايير المشتركة للسلوك، وان كان يعد انحرافاً يستوجب المزيد من الضبط في الغالب، إلا انه يشكل عنصراً من عناصر التغير الاجتماعي وسلوكاً يتسبب في إعادة تنميط القيم والمستويات المشتركة، ومن ثم إعادة التشكل الوظيفي لانساق الفعل، وربما على نحو جديد.
وبتعبير آخر، فإننا نرى أن هناك أنماط من السلوك الانحرافي في المجتمع لها من الفاعلية ما تكون قادرة على تجاوز وسائل الضبط الاجتماعي فتفرض وجودها وتتحول إلى نقاط بؤرية تحمل في طياتها بذور التغير الاجتماعي التي تعمل على تنشيط قابلية التغاير في المجتمع(Variability).
ولهذا السبب فإننا سنحاول تطوير النموذج النظري البارسوني من خلال استيعاب متغيرات الحراك والصراع الاجتماعي ضمن المنظومة البارسونيه.
لقد افترض بارسونز في مقاولاته إن تحليل بناء الفعل يوضح العوامل التي تسهم في استقرار النسق. غير أن تحليل الأبعاد الوظيفية لانساق الفعل الفرعية يلقي الضوء على العمليات التي تصطرع داخل النسق. ولذلك حاول بارسونز إيجاد مخرج يربط من خلاله بين الأداء الكلي لانساق الفعل وبين متغيرات النمط، فعرف وظيفة أي نسق بأنها» مركب من الأنشطة يتجه لإشباع حاجة أو حاجات النسق بوصفه نسقاً.«
ولكي يستمر النسق في أدائه الوظيفي ويحافظ على استمراريته يجب إن يستجيب لنوعين من الحاجات، ويولد الأنشطة الضرورية لإشباع تلك الحاجات.
1- الحاجات التي تتصل بعلاقة النسق ببيئته.
2- حاجات التنظيم الداخلي للنسق نفسه.
ولذلك توجد أهداف تتضمن علاقات النسق بالبيئة وأخرى تتعلق بالتنظيم الداخلي للنسق نفسه. ومثل تلك الحاجات لا يمكن تنظيمها إلا من خلال أنشطة معينة اقترح بارسونز تسميتها بالأنشطة التحقيقية أو التكميلية Consummators والأنشطة الوسيلة أو الغائية Instrumentals تمييزاً لهما بما يهتمان به من أهداف داخلية أو خارجية.
وتأسيساً على هذا فان أي نسق من انساق الفعل يجب أن تتوافر فيه أربع وظائف لإشباع الحاجات الأساسية للنسق وهي (التكيف، تحقيق الهدف، التكامل، والمحافظة على النمط)، ومن ثم لا يمكن لنسق الفعل أن يوجد إلا إذا أشبعت هذه الحاجات الأربع ولو إشباعا جزئياً في الأقل ( Max Weber, pp 78- 84). .
بيد إن نسق الفعل أو (النظام الاجتماعي) ماهو إلا تكوين يجمع بين تركيب بيولوجي وآخر اجتماعي،فهو تنظيم يقوم على القهر والإلزام من جهة، وعلى التعاقد والمصلحة من جهة أخرى، محققاً بذلك حاجة الفرد إلى الحرية وحاجة المجتمع إلى ضبط في آن واحد. ومثل هذا التكوين أو التنظيم لابد ن يتضمن بالضرورة قدراً من التناقض لاختلاف التركيبين(بيولوجي واجتماعي). فهو إذن حصيلة لتوازن غير مستقر (Problematic) بين الأنا الفردية (ego) وجذورها وبين الذات العليا (Super ego) وما تحمله من أنماط فكرية وثقافية ورمزية وما بينهما من بناءات وتنظيمات اجتماعية ومؤسسية. لذلك فان نسق الفعل أو (النظام الاجتماعي) إنما يمثل في الحقيقة محصلة (Synthesis) تحمل في طياتها ميكانزمات طاقتها الحركية وآليات ضوابط تحركاتها وعوامل قلقها وعدم ثباتها. والتي من خلالها يستجيب النسق أو (النظام) ويتحرك ويولد الأنشطة اللازمة لإشباع حاجاته.
ثم أن الفعاليات رغم وظيفتها في الحفاظ على التوازن غير المستقر وفاعليتها في تلبية الاحتياجات، فإنها بحاجة إلى دعم وتعزيز مستمرين للمحافظة على ديمومة الفعل. ومثل ذلك الدعم والتعزيز تستمده من نسق آخر غير منظور (غير شرعي) يقوم بوظيفية التنظيم والتزويد (distribution) ويستمد قدراته التنظيمية هذه من الأنساق الشرعية. بمعنى آخر إن النسق اللاشرعي يأخذ من الأنساق الشرعية ما يفيض عن حاجاتها من ميكانزمات الضبط واليات التكيف ويقوم بدوره بتزويد تلك الأنساق بما تحتاجه من معلومات وطاقة. فهو أشبه بالمنظم (Regular) لعمليات الأخذ والعطاء. وهو الوسيط بين تلك الأنساق في الوقت نفسه. ودوره في ذلك شبيه بدور عملية الأيض (Metabolism) في جسم الكائن الحي (احمد زكي بدوي، ص 266).
وبسبب من مركزية هذا النسق اللاشرعي فانه أكثر صلة بكل من الأنساق الشرعية الاربعه، وأكثر تأثيرا وتأثرا بكل منها في آن واحد. ومن ثم فانه - وبسبب من لا شرعيته- يصبح مستودعاً لكل حالات التعويض الوظيفي disfunction في نسق الفعل أو في الأنساق الفرعية الأربعة. تلك الحالات التي قد يسبب تراكمها داخل أي نسق شرعي تفككاً اجتماعياً.
ويبدو ان عملية التأثير والتأثر هذه، أو عملية التفاعل المتبادل interaction بين النسق اللاشرعي من جهة وبين الأنساق الشرعية الأربعة كلها من طرف آخر تختلف في شدتها وفي مداها واتجاهها تبعاً لاختلاف نوع وطبيعة ومرحلة التنظيم الاجتماعي السائدة في المجتمع، ذلك أن النسق اللاشرعي ما هو في الواقع ألا نسق ظهير للأنساق الأربعة كلها في آن واحد، بمعنى إن بعضاً من النسق اللاشرعي يمكن أن يتطور ليحل محل واحد من الأنساق الشرعية الأربعة، وذلك إذا ما أضحى النسق الشرعي عاجزاً عن أداء وظيفته على نحو لا يحقق الحد الأدنى من التوافق والانسجام مع الأنساق الأخرى، أو إذا أصبحت حالات التعويق الوظيفي Disfunction أكثر ملائمة لتحقيق أهداف نسق الفعل الرئيس في مرحلة اجتماعية معينة.
ومن المؤكد إن هذا يعني أن عمليات (المنافسة والصراع) لها دور فاعل في نسق الفعل، ومن ثم فان العمليات التي تندرج تحت مفاهيم الصراع يمكن ان تنحو بالمجتمع نحو بناء اجتماعي مغاير كلاً أو جزءاً.
ولكي تبدو هذه الفكرة واضحة أقدم رسماً تخطيطياً لنسق الفعل على وفق الترسيمة البارسونية المعدلة مع بيان موقع النسق اللاشرعي المقترح ودوره في مستويات تجريدية ثلاثة.
الإبعاد الوظيفية لنسق الفعل الإبعاد الاجتماعية لنسق الفعل الإبعاد المجتمعية لنسق الفعل
المصادر
ـــــــــ
1-: احمد زكي بدوي، معجم المصطلحات العلوم الاجتماعية، مكتبة لبنان، بيروت، 1987.
(الأيض: مجموع العمليات المتصلة ببناء البروتوبلازما ودثورها، وتسير عملية الايض في اتجاهين، هدم وبناء،
(2) جي روشيه، علم الاجتماع الأمريكي، دراسة لإعمال تالكوت بارسونز، دار المعارف بمصر، 1981، مترجم.
3- عبد الباسط عبد المعطي، اتجاهات نظرية في علم الاجتماع، عالم المعرفة، الكويت، 1981.
4- عبد الرحمن بن خلدون، المقدمة،دار الجيل، بيروت، من دون تاريخ.
(5) محمد الغريب عبد الكريم، الاتجاهات الفكرية في نظرية علم الاجتماع المعاصر، المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية، 1982.
(6) محمد عاطف غيث، الموقف النظري في علم الاجتماع، دار المعرفة الجامعية الاسكندرية، 1989.
(7) محمد عوض عبد السلام، الفعل الاجتماعي عند تالكوت بارسونز، دار المطبوعات الجديدة، الكويت، 1986.
(- H.H. Gerth and C,W. Mills " from Max Weber: Essays in Sociology , Oxford University press , New York , 1978.
(9) Max Weber , Economic and Society , (ed). By Gocnther Roth and Claus Winch , New York , 1968.
(10) Walter Wallacs (ed) sociological Theُory , Heinenntann London , 1969.
في الصراع الاجتماعي(2/2)
د. كامل جاسم المراياتي
اولاً: الصراع بوصفه نسقاً اجتماعياً
يشكل الصراع - كما أسلفنا- نقطة ضعف في البناءات النظرية المحافظة وجداراً هشاً في الخطاب السوسيولوجي الوظيفي, الذي عرض تلك الأفكار إلى انتقادات لاذعة وهجمات عنيفة مما دفع الكثير من مناصري تلك المدرسة إلى تبني آراء تحد من ستاتيكية منظورها لتلافي بعض من تلك الانتقادات, فما كان من الوظيفيين إلا الاعتراف بتغيرات تدريجية يمكن أن تؤدي إلى إقلاق توازن النسق.
غير إنهم ربطوا تلك التغيرات بعوامل داخلية أكثر من ربطها بعوامل خارجية.( Walter Wallacs , pp 208-211).
وعلى الرغم من ذلك ظل الصراع بعيداً عن محاور الاهتمام في البناءات النظرية لتلك المدارس.
وعلى الضد من هذا الاتجاه نجد أن أفكار بعض منظري مدرسة الصراع أصرت على التعامل مع الصراع تعاملاً مركزياً فرأت في الصراع صورة لتاريخ البشرية, وهذا ما ذهب إليه كارل ماركس الذي وجد في الصراع شكلاً أساسيا لصراع الإنسان ونضاله في الوجود.
وإذا كان مفكرنا العربي ابن خلدون قد اختط نهجاً مقارباً قبل أن يولد كارل ماركس عندما ربط بين الصراع القائم على التناقض وتكوين العمران البشري واستمرار يته , فان آخرين رأوا أن قدراً من الصراع ضروري لاستمرار الجماعة بوصفها تنظيماً اجتماعياً. وهذا ما ذهب إليه لويس كوزر. أما (داهرندورف) فقد حاول أن يبعد الصراع عن الطبقة فادعى أن الصراع ما هو إلا صراع ضد السلطة.
وعلى الرغم مما يبدو من فروق بين المفكرين في تفسير ظاهرة الصراع، إلا إنهم متفقون على أن الصراع عملية اجتماعية لها ثقلها في الحياة الاجتماعية، وان كانت لها أشكال ووجوه متعددة، فهي تمط من أنماط التفاعل الاجتماعي ينشأ عن تعارض في المصالح. لذلك قد تنقلب المنافسة Competitative إلى شكل من إشكال الصراع ما لم توجد ضوابط تتحكم بعملية المنافسة.
ومن هنا فإن قدراً من التناغم والتوافق بين الأنساق الفرعية، وقدراً آخر من الاختلاف والتباين بموازاته ضروريان لمسيرة الحياة ولحركة المجتمع، وهو أمر ربما سنعود له لاحقاًَ لعلاقته الوثيقة بموضوعنا، ذلك أن اهتمامنا سينصب على محاولة فهم الصراع بوصفه نسقاً اجتماعياً فرعياً له دور فاعل في منظومة نسق الفعل.
فهل يمكن أن نتعامل مع الصراع بوصفه نسقاً اجتماعياًً؟ وإذا جاز لنا ذلك، فكيف تقف على تصرف الفاعلين في ميادين الصراع؟ ثم كيف يستقرى الخصمان خطط احدهما الآخر؟ وأخيرا ما دور عملية الصراع في المحافظة على توازن نسق المجتمع أو أرباك ذلك التوازن؟
يبدو أنه من العسير الإجابة عن هذه التساؤلات كلها من دون الإحاطة الكاملة بقوانين الصراع، ومن دون الاطلاع على ما يعتمل داخل النفس البشرية من صراع بين الحاجات والرغبات. غير إننا بداية يمكن أن نسترشد بمقولة من مقولات بارسونز لنشق طريقاً نحو مانسعى إليه، لاسيما وان بارسونز قد المح أن إطاره التصويري لا يتضح إلا من خلال البحث الامبريقي.
لقد أكد بارسونز في نظريته التي أسلفنا الحديث عنها، أن لأي نسق بيئة، وان بيئة أي نسق من الأنساق الفرعية الأربعة تتكون من الأنساق الثلاثة الأخرى.
ودعونا الآن نترك هذا جانباً - ولو بشكل مؤقت- لنسقرىء التفاعل الصراعي في المجتمع، ابتداء من اختلاف ثنائي (بين فردين dyadic) بوصفه ابسط شكل من إشكال التفاعل واصغر نسق اجتماعي تفاعلي.
من المؤكد أن الاختلاف بين فردين يمثل ظرفاً تفاعلياً ونسقاً يجد فيه الفاعل (Actor) نفسه أمام طرف آخر(Alter)، يسعى كل منهما للوصول إلى غاية مختلفة. ولذلك يجد الطرفان نفسيهما في ظرف تفاعلي أو(موقف صراعي) يسعى كل منهما للوصول إلى هدف محدد مختلف.
ولان عملية التفاعل في أي نسق اجتماعي عملية اجتماعية بالتأكيد، فلابد من أن تنطوي على قيم ومعايير وأهداف ودوافع، تؤثر بدورها على عملية التفاعل داخل النسق. وبهذا يجب أن نضع في الحسبان تأثير الأنساق الفرعية الأخرى والظروف المحيطة في التفاعل بين الطرفين (الخصمين).
وبتعبير آخر فان ما يحكم التفاعل السلوكي داخل النسق الصراعي ليس ظروف النسق الصراعي بمفردها. بل ظروفاً ومتغيرات عديدة بعضها داخلي يتعلق بالنسق ذاته وبالمتفاعلين أنفسهم. وبعضها خارجي يؤثر على مجريات الأمور في النسق الصراعي ذاته . فيصبح المتفاعلين (طرفا الخلاف) في موقف يضم عدداً من المتغيرات والعوامل المادية وغير المادية، فضلاً عن متغيرات أخرى ثقافية واجتماعية تمثل المعايير والأنماط والرموز الثقافية التي تؤثر في الموقف وتتحكم بسلوكية الفاعلين وتتحكم في اختياراتهم،(غائياً وعقلانياً Rationality and utilitarianism) للوسائل والأساليب والسلوكيات الملائمة من بين عدة بدائل وخيارات متاحة أمامهم، في ضوء ظروف الموقف ومتطلباته لتحقيق أهدافهم.
ومن الواضح أن الفاعل (أي طرف من إطراف الصراع) قبل اتخاذ القرار وقبل اختياره للسلوك الملائم من بين عدة بدائل، سيبذل نشاطاً عقلياً يحاول فيه أن يرسم خريطة معرفية للموقف الكلي وان يقوم الموقف ويتوقع سلوك الخصم ورود الأفعال المحتملة في ضوء تأثير الأنماط والرموز الثقافية والقواعد المعيارية التي تحدد وسائله وتحدد له ما هو عقلاني من سلوك وما هو غير عقلاني. (والعقلانية هنا لا تتطابق بالضرورة مع مفهوم العقل وأحكامه الذاتية).
ويبدو واضحاً أن هذا التصور الفكري ينطلق من افتراض إن النسق الاجتماعي للصراع لا يعمل إلا في سياق عرف موروث وتحت تأثير نسق ثقافي متعارف عليه، وان الفاعلين في نسق الصراع يشتركون في الاعتقاد بمعايير ومستويات وأساليب سلوكية مشتركة. ومن ثم برموز ثقافية مندمجة في ذواتهم، ولذلك فإنهم يفكرون على وفق تلك المعايير والمستويات والموجهات، ويتصرفون بنحو متشابه في المواقف المتشابهة.
غير أننا يجب أن نميز بين الأنماط المثالية المحددة بواسطة تلك الموجهات أو ما تسمى بالإرث الثقافي، وبين أنماط السلوك الفعلية إثناء التفاعل، ذلك أن الإفراد،- بل والفئات الاجتماعية والجماعات- في المجتمع الواحد يدمجون ويستوعبون تلك المثل والرموز الثقافية بنحو غير متساو وغير كامل. وهو ما يفسر اختلاف السلوكيات بين الإفراد أو بين الجماعات، ويفسر كذلك حدوث سلوكيات غير متوقعة أبدا، ولاسيما تلك التي تكون خارج التوقعات فتؤدي إلى تغيير مجرى الإحداث. ولنا أن نقارن ونميز بين الإيديولوجيات والأفكار الدينية وتطبيقات الإفراد الحياتية وتمثلانهم لتلك الأفكار.
ولو استثنيا تلك الحوادث النادرة الناتجة عن سلوكيات غير متوقعة تغير موازين القوى وتحدث انقلاباً إستراتيجيا في مفاهيم المواقف وأعرافها.(كما في بعض الحروب، عندما يتصرف بعض القادة تصرفاً غير متوقع إطلاقا فيغيرون بسلوكهم ذاك نتائج المعركة وحساباتها محدثين تحولاً إستراتيجيا في سجل الحروب ودروسه، فضلاً عن سلوك القادة الكارزمبين أو السلوك الكاريزمي)، فان خسارة طرف من إطراف الصراع إنما تعني في الواقع سوء تقدير للموقف الصراعي أو عدم استثمار آلياته بنحو سليم، أو إخفاق في بناء القرار على أسس سليمة من المعرفة السابقة لما يترتب على اتخاذ مثل ذلك القرار من نتائج.
ثانياً: محاولة لتجاوز الإشكالية البارسونية
لابد من القول ابتداءً ان الأفكار التي سنعرضها هنا ليست سوى أفكار اجتهادية أولية قابلة للتطور. ولذلك نأمل أن تخضع لنقاش المختصين ونقدهم البناء.
فضلا عن أن محاولة في تجاوز الإشكالية البارسونية ذاتها لا تعني إيماننا المطلق بشموليه الفكر البارسوني من جهة، ولا تتضمن الانتقاص من قيمة ذلك الفكر في علم الاجتماع من جهة ثانية. لذلك فان محاولتنا لا تتجاوز الاجتهاد الفكري النظري ليس إلا.
أن الفكر البارسوني - كما مر بنا- فكر ستاتيكي ذو منظر أحادي تبني توجهاً ليبرالياً محافظاً فأهمل عن قصد العوامل الدينامية في المجتمع. وحجم من أهميتها خدمة لمصالح نظام ليبرالي رأسمالي، لذلك رأى أن معظم وظائف الصراع هي وظائف سلبية وان أي خروج على القيم الاجتماعية يعد انحرافاً يستوجب تنشيط مصادر الضبط.
ولأننا نؤمن بدينامية البناء الاجتماعي وجدلية الحركة المجتمعية فإننا سنسعى في محاولتنا إلى تأكيد فاعلية عوامل الصراع الاجتماعي. بمعنى إننا نؤكد إن الخروج على القيم والمعايير المشتركة للسلوك، وان كان يعد انحرافاً يستوجب المزيد من الضبط في الغالب، إلا انه يشكل عنصراً من عناصر التغير الاجتماعي وسلوكاً يتسبب في إعادة تنميط القيم والمستويات المشتركة، ومن ثم إعادة التشكل الوظيفي لانساق الفعل، وربما على نحو جديد.
وبتعبير آخر، فإننا نرى أن هناك أنماط من السلوك الانحرافي في المجتمع لها من الفاعلية ما تكون قادرة على تجاوز وسائل الضبط الاجتماعي فتفرض وجودها وتتحول إلى نقاط بؤرية تحمل في طياتها بذور التغير الاجتماعي التي تعمل على تنشيط قابلية التغاير في المجتمع(Variability).
ولهذا السبب فإننا سنحاول تطوير النموذج النظري البارسوني من خلال استيعاب متغيرات الحراك والصراع الاجتماعي ضمن المنظومة البارسونيه.
لقد افترض بارسونز في مقاولاته إن تحليل بناء الفعل يوضح العوامل التي تسهم في استقرار النسق. غير أن تحليل الأبعاد الوظيفية لانساق الفعل الفرعية يلقي الضوء على العمليات التي تصطرع داخل النسق. ولذلك حاول بارسونز إيجاد مخرج يربط من خلاله بين الأداء الكلي لانساق الفعل وبين متغيرات النمط، فعرف وظيفة أي نسق بأنها» مركب من الأنشطة يتجه لإشباع حاجة أو حاجات النسق بوصفه نسقاً.«
ولكي يستمر النسق في أدائه الوظيفي ويحافظ على استمراريته يجب إن يستجيب لنوعين من الحاجات، ويولد الأنشطة الضرورية لإشباع تلك الحاجات.
1- الحاجات التي تتصل بعلاقة النسق ببيئته.
2- حاجات التنظيم الداخلي للنسق نفسه.
ولذلك توجد أهداف تتضمن علاقات النسق بالبيئة وأخرى تتعلق بالتنظيم الداخلي للنسق نفسه. ومثل تلك الحاجات لا يمكن تنظيمها إلا من خلال أنشطة معينة اقترح بارسونز تسميتها بالأنشطة التحقيقية أو التكميلية Consummators والأنشطة الوسيلة أو الغائية Instrumentals تمييزاً لهما بما يهتمان به من أهداف داخلية أو خارجية.
وتأسيساً على هذا فان أي نسق من انساق الفعل يجب أن تتوافر فيه أربع وظائف لإشباع الحاجات الأساسية للنسق وهي (التكيف، تحقيق الهدف، التكامل، والمحافظة على النمط)، ومن ثم لا يمكن لنسق الفعل أن يوجد إلا إذا أشبعت هذه الحاجات الأربع ولو إشباعا جزئياً في الأقل ( Max Weber, pp 78- 84). .
بيد إن نسق الفعل أو (النظام الاجتماعي) ماهو إلا تكوين يجمع بين تركيب بيولوجي وآخر اجتماعي،فهو تنظيم يقوم على القهر والإلزام من جهة، وعلى التعاقد والمصلحة من جهة أخرى، محققاً بذلك حاجة الفرد إلى الحرية وحاجة المجتمع إلى ضبط في آن واحد. ومثل هذا التكوين أو التنظيم لابد ن يتضمن بالضرورة قدراً من التناقض لاختلاف التركيبين(بيولوجي واجتماعي). فهو إذن حصيلة لتوازن غير مستقر (Problematic) بين الأنا الفردية (ego) وجذورها وبين الذات العليا (Super ego) وما تحمله من أنماط فكرية وثقافية ورمزية وما بينهما من بناءات وتنظيمات اجتماعية ومؤسسية. لذلك فان نسق الفعل أو (النظام الاجتماعي) إنما يمثل في الحقيقة محصلة (Synthesis) تحمل في طياتها ميكانزمات طاقتها الحركية وآليات ضوابط تحركاتها وعوامل قلقها وعدم ثباتها. والتي من خلالها يستجيب النسق أو (النظام) ويتحرك ويولد الأنشطة اللازمة لإشباع حاجاته.
ثم أن الفعاليات رغم وظيفتها في الحفاظ على التوازن غير المستقر وفاعليتها في تلبية الاحتياجات، فإنها بحاجة إلى دعم وتعزيز مستمرين للمحافظة على ديمومة الفعل. ومثل ذلك الدعم والتعزيز تستمده من نسق آخر غير منظور (غير شرعي) يقوم بوظيفية التنظيم والتزويد (distribution) ويستمد قدراته التنظيمية هذه من الأنساق الشرعية. بمعنى آخر إن النسق اللاشرعي يأخذ من الأنساق الشرعية ما يفيض عن حاجاتها من ميكانزمات الضبط واليات التكيف ويقوم بدوره بتزويد تلك الأنساق بما تحتاجه من معلومات وطاقة. فهو أشبه بالمنظم (Regular) لعمليات الأخذ والعطاء. وهو الوسيط بين تلك الأنساق في الوقت نفسه. ودوره في ذلك شبيه بدور عملية الأيض (Metabolism) في جسم الكائن الحي (احمد زكي بدوي، ص 266).
وبسبب من مركزية هذا النسق اللاشرعي فانه أكثر صلة بكل من الأنساق الشرعية الاربعه، وأكثر تأثيرا وتأثرا بكل منها في آن واحد. ومن ثم فانه - وبسبب من لا شرعيته- يصبح مستودعاً لكل حالات التعويض الوظيفي disfunction في نسق الفعل أو في الأنساق الفرعية الأربعة. تلك الحالات التي قد يسبب تراكمها داخل أي نسق شرعي تفككاً اجتماعياً.
ويبدو ان عملية التأثير والتأثر هذه، أو عملية التفاعل المتبادل interaction بين النسق اللاشرعي من جهة وبين الأنساق الشرعية الأربعة كلها من طرف آخر تختلف في شدتها وفي مداها واتجاهها تبعاً لاختلاف نوع وطبيعة ومرحلة التنظيم الاجتماعي السائدة في المجتمع، ذلك أن النسق اللاشرعي ما هو في الواقع ألا نسق ظهير للأنساق الأربعة كلها في آن واحد، بمعنى إن بعضاً من النسق اللاشرعي يمكن أن يتطور ليحل محل واحد من الأنساق الشرعية الأربعة، وذلك إذا ما أضحى النسق الشرعي عاجزاً عن أداء وظيفته على نحو لا يحقق الحد الأدنى من التوافق والانسجام مع الأنساق الأخرى، أو إذا أصبحت حالات التعويق الوظيفي Disfunction أكثر ملائمة لتحقيق أهداف نسق الفعل الرئيس في مرحلة اجتماعية معينة.
ومن المؤكد إن هذا يعني أن عمليات (المنافسة والصراع) لها دور فاعل في نسق الفعل، ومن ثم فان العمليات التي تندرج تحت مفاهيم الصراع يمكن ان تنحو بالمجتمع نحو بناء اجتماعي مغاير كلاً أو جزءاً.
ولكي تبدو هذه الفكرة واضحة أقدم رسماً تخطيطياً لنسق الفعل على وفق الترسيمة البارسونية المعدلة مع بيان موقع النسق اللاشرعي المقترح ودوره في مستويات تجريدية ثلاثة.
الإبعاد الوظيفية لنسق الفعل الإبعاد الاجتماعية لنسق الفعل الإبعاد المجتمعية لنسق الفعل
المصادر
ـــــــــ
1-: احمد زكي بدوي، معجم المصطلحات العلوم الاجتماعية، مكتبة لبنان، بيروت، 1987.
(الأيض: مجموع العمليات المتصلة ببناء البروتوبلازما ودثورها، وتسير عملية الايض في اتجاهين، هدم وبناء،
(2) جي روشيه، علم الاجتماع الأمريكي، دراسة لإعمال تالكوت بارسونز، دار المعارف بمصر، 1981، مترجم.
3- عبد الباسط عبد المعطي، اتجاهات نظرية في علم الاجتماع، عالم المعرفة، الكويت، 1981.
4- عبد الرحمن بن خلدون، المقدمة،دار الجيل، بيروت، من دون تاريخ.
(5) محمد الغريب عبد الكريم، الاتجاهات الفكرية في نظرية علم الاجتماع المعاصر، المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية، 1982.
(6) محمد عاطف غيث، الموقف النظري في علم الاجتماع، دار المعرفة الجامعية الاسكندرية، 1989.
(7) محمد عوض عبد السلام، الفعل الاجتماعي عند تالكوت بارسونز، دار المطبوعات الجديدة، الكويت، 1986.
(- H.H. Gerth and C,W. Mills " from Max Weber: Essays in Sociology , Oxford University press , New York , 1978.
(9) Max Weber , Economic and Society , (ed). By Gocnther Roth and Claus Winch , New York , 1968.
(10) Walter Wallacs (ed) sociological Theُory , Heinenntann London , 1969.
jajay- سوسيولوجي مشارك
- عدد المساهمات : 74
تاريخ التسجيل : 01/12/2010
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأحد يناير 31, 2021 2:44 pm من طرف YOUCEF
» سيغموند فرويد الشخصية السوية والشخصية الغير سوية
السبت سبتمبر 14, 2019 9:16 am من طرف امال
» بحث حول دراسات المؤسسة في علم الاجتماع
الثلاثاء ديسمبر 04, 2018 1:35 pm من طرف بيسان
» مكتبة علم الإجتماع الإلكترونية
الخميس أبريل 23, 2015 7:53 pm من طرف ahlam yamani
» سوسيولوجيا العالم العربي.. مواقف وفرضيات
الأحد مارس 08, 2015 9:13 am من طرف sami youssef
» نظرية بياجي في النمو أو نظرية النمو المعرفي
الأحد فبراير 22, 2015 2:31 am من طرف صباح
» معجم و مصطلحات علم الاجتماع
السبت فبراير 21, 2015 7:36 am من طرف holo
» النظريات السوسيولوجية
الخميس فبراير 19, 2015 8:05 am من طرف صباح
» مفهوم المدينة عند ماكس فيبر
الإثنين يناير 26, 2015 2:13 pm من طرف ♔ c breezy ♔